الحرية- لوريس عمران:
في الوقت الذي ينتظر فيه الأطفال حول العالم العيد بفارغ الصبر ليرتدوا ملابسهم الجديدة ويجمعوا “العيديات”، تتحول أيام العيد في محافظة اللاذقية إلى موسم عمل قاسٍ لبعض الأطفال الذين لايزالون في عمر البراءة، ينتشرون بعشوائية على الأرصفة، عند إشارات المرور، وبين زحام الأسواق، بأكف صغيرة ووجوه متعبة على صغر وبعبارات ترويجية يطلقونها كيفما اتفق مع براءتهم، يبيعون السكاكر والبالونات، في محاولة لدعم أسر أثقلها الفقر.
مشهد متكرر
لم تعد ظاهرة تشغيل بعض الأطفال في العيد مجرد استثناءات فردية، بل باتت مشهداً مألوفاً في شوارع اللاذقية، خاصة في الأسواق الشعبية كسوق العنابة، وأوغاريت، والعوينة. أطفال تتراوح أعمارهم بين 7 و14 عاماً، يحملون بسطات صغيرة، يبيعون البالونات أو يقفون ساعات طويلة في محلات الملابس والحلويات، وسط زحام الزبائن وضجيج الشارع.
أحد هؤلاء الأطفال “حسن” (12 عاماً)، يقول وهو يضع البضاعة على طاولة خشبية مهترئة: “بشتغل بس بالعيد، ببيع شوكولا وبالونات. بدي أشتري كنزة إلي ولأختي، أبي ما معه مصاري”.
فيما يقول الطفل جابر (٩) أعوام: “أبيع المحارم وبعض أنواع المنظفات بالاضافة الى بعض الإكسسوارات التقليدية لأني بحاجة إلى النقود فوالدتي مريضة وتحتاج إلى دواء ووالدي متوفى أعمل لأعين أمي وأختي”.
أهل بين الضرورة والرضى
تختلف مواقف الأهالي بين من يرى في تشغيل الطفل أمرًا قاسيًا، ومن يعتبره “ضرورة لا بد منها”، إذ تقول السيدة “أم يوسف” والدة لخمسة أطفال ( للحرية): “ما بدي ابني يشتغل، بس شو أعمل؟ الوضع سيئ، وجوزي بلا شغل، العيد مصروفه كبير، وهيك بيستر حاله وما بيطلب من حدا”.
بينما يضيف “أبو رامي”، وهو بائع متجول: “مو غلط الولد يتعلم يتحمّل المسؤولية، نحنا اشتغلنا من عمر صغير، وهيك بيعرف قيمة الليرة”.
تحذير
الأخصائية الاجتماعية رهف سلامة تحذر من تبعات تشغيل الأطفال في الأعياد، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة تشوّه مفهوم الطفولة والفرح لدى الأجيال.
اختصاصية تحذر من تبعات تشغيل الأطفال بالأعياد: تشوّه مفهوم الطفولة والفرح لدى الأجيال
واضافت سلامة: العيد ليس وقتاً للعمل، هو فرصة للراحة، للّعب، للتواصل الأسري. عندما نجرّ الطفل إلى سوق العمل في عمر مبكر، نحرمه من أبسط حقوقه النفسية والاجتماعية.
أما الدكتور سمير حسن، أخصائي علم النفس التربوي، فيرى أن الضغط النفسي الناتج عن العمل في المناسبات يزيد خطر الانعزال والكبت لاحقاً، مبيناً أن الطفل بدلاً من أن يحتفل، يشعر بأنه مُجبر على العطاء في عُمر يحتاج فيه إلى الرعاية، وهذا يخلق تشوهًا في فهمه لذاته ولدوره في المجتمع.
الوجه الآخر للعمل
رغم التحذيرات يرى بعض الأهالي أن تشغيل الطفل – خاصة في مواسم محددة مثل العيد – قد يرسّخ لديه قيماً إيجابية مثل الاعتماد على الذات، وتنمية المسؤولية، وتقدير المال، لكن التحدي الحقيقي يكمن في غياب أي مظلة قانونية أو دعم حكومي للأسر الفقيرة، ما يجعل الخيار الوحيد أمامها هو زجّ الأطفال في سوق العمل، ولو مؤقتًاً.
معادلات قاسية
في ظل الغلاء الجنوني، وتدهور القدرة الشرائية، وغياب فرص العمل للكبار، يصبح تشغيل الأطفال وسيلة دفاعية تلجأ إليها العائلات المنهكة، وقد كشف تقرير محلي غير رسمي أن نسبة تشغيل الأطفال في المناسبات باتت في تصاعد سنوي ملحوظ، لا سيما في المناطق الساحلية والريفية.
أين دور الدولة والمجتمع؟
أمام هذا الواقع، تغيب الإجراءات الرادعة، وتغيب الحلول البديلة، تشغيل الأطفال في العيد ليس فقط انتهاكًا لحقوقهم، بل مؤشر على اختلال عميق في البنية الاجتماعية والاقتصادية، ما بين براءة مسروقة ومجتمع يرزح تحت الضغط، يبقى الطفل الضحية الصامتة التي تدفع ثمن أزمة لم يصنعها.