أعظم وثيقة للتسامح

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية -يسرى المصري:
بينما يشعر البعض بالغضب من التوجه نحو التسامح والمصالحة التي بدأت كعنوان حقيقي للسلم الأهلي في سوريا.. نرفع رأسنا ونقول لنا قدوة حسنة مع صاحب أعظم وثيقة للتسامح ..
“اذهبوا فأنتم الطلقاء”.. هذه أعظم وثيقة للتسامح أطلقها رسول الله “صلى الله عليه وسلم” يوم فتح مكة، حينما ملك أمر من طردوه وآذوه واتهموه باتهامات باطلة وضيقوا الخناق على كل أتباعه ومناصريه، وبرغم كل ذلك لم يفكر رسولنا الكريم في الانتقام أو الثأر منهم أو حتى رد الإساءة بالإساءة ..” وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ”
صدق الله العظيم .
إن التسامح شيء يتعلمة الإنسان بسهولة، لكن تطبيقه صعب، من السهل أن نتحدث عن المسامحة والمصالحة والصفح وأنت في منجا من الفقد والألم والمعاناة … لكن التنفيذ يحتاج إلى أخلاق وتربية ودولة قوية تضع نصب أعينها العدالة الانتقالية وحماية مجتمعها من الفتن والتحريض وكل ما من شأنه زعزعة السلم الأهلي الذي يعتبر بحق ميزان الأمم في التطور والنجاح والازدهار.. ونقول لمن يغلب عليهم الغضب .. الأفضل أن تسامح، وسيعطيك الله سبحانه وتعالى الأجر والثواب، فنحن ليس لدينا الوقت للحزن والضيق والغضب فلا تهدر الدولة طاقتها بحروب أهلية وأثنية تخدم أعداءها وتجعل الجميع في حلقة الغضب والضيق والحزن، وإنما الأفضل أن تسامح ..
على مدار الأزمنة والحضارات شكّل التسامح والمصالحة محوراً حاسماً في التاريخ الإنساني
و مثّلت المجتمعات عبر العصور نماذج متنوّعة في التعامل مع الصراعات والانقسامات.
واليوم تطوي سوريا حقبة من الظلم والاستبداد وتنطلق بصدر سليم لتحقيق العدالة للجميع .. ولا بد من خطوات وإجراءات، رغم أنها اجتهادات موضوعية، لكنها تبقى ضرورية لاحتواء التوترات المجتمعية، وضمن هذا المسار يتم حلحلة العقد الأمنية والاجتماعية، ويمكن تفهم مشاعر الغضب لدى عائلات الشهداء والضحايا. لكن الحرص على تحقيق العدالة الحقيقية ومحاسبة الجناة، لابد أن يعبر فوق الجسر أو الصراط الذي يتيح المجال للمجتمع لتضميد جراحه.
وما هو الضرر بالتسامح مع بعض ضباط الجيش والأجهزة الأمنية ممن تعاونوا في معركة “ردع العدوان” وسلّموا مقارهم لقوات “التحرير”، مما سهّل استعادة السيطرة على مناطق كثيرة وحقن الكثير من الدماء ..
لقد سمحت “حضارة التعدّد” في الأمم العربية بتعايش المسلمين والمسيحيين واليهود، حيث ازدهرت الترجمة والفلسفة في ظلّ التسامح النسبي رغم فترات التوتر. والتسامح ليس ضعفاً، النماذج الناجحة أثبتت أن الاعتراف بالماضي أداة لبناء مستقبل مستقر.
والتاريخ يعلّمنا أن التسامح والمصالحة ليسا حدثًا وحيدًا، بل عمليّة مستمرة تتطلب إرادة سياسية ومشاركة مجتمعية.
لقد قدّم ابن خلدون (1332–1406) في مقدمته الشهيرة رؤيةً عميقةً تربط بين التسامح الاجتماعي وتماسك الدولة وعمران الحضارة، مع تركيز خاص على دور “العصبية” (التماسك الجماعي) في صعود الأمم.
واعتبر ازدهار المُدن والحضارات تعتمد على تنوع المهن والعلوم، وهو ما يتطلّب انفتاحًا على مختلف الثقافات والأديان.
والاختلاف في الأفكار والمذاهب والأديان لا يمنع التعاون على عمارة الأرض”.
فالتسامح شرطٌ لازدهار الاقتصاد والعلوم، ورغم أن ابن خلدون لم يستخدم مصطلح “المصالحة” بالمعنى الحديث، إلا أن تحليله للعلاقة بين العدل الاجتماعي والاستقرار السياسي يشكّل أساسًا لفهم أهمية التسامح في بناء الأمم.

Leave a Comment
آخر الأخبار