الحرية- إلهام عثمان:
من الرائع أن تطل علينا أغنية فيروز الشهيرة “يا كرم العلالي عنقودك لينا”، لتعبّر عن جمال كروم العنب التي تميزت بها بلاد الشام وعلى وجه الخصوص البيئة السورية، فتتجلى روعة هذه الكروم من خلال ألوان فاكهتها المتنوعة، حيث تمتزج درجات الأخضر مع حبات فاكهتا السوداء في لوحة إلهية تأسر الأنفاس.
لكن.. لورق العنب حكاية عشق مختلفة، تتغنى بها ربات البيوت لإعداد طبقها المميز وهو (اليبرق أو اليالنجي)، فبرغم من الوقت الطويل والجهد الذي بحاجته إعداد هذا الطبق، إلا أنه يُعتبر من ملوك الأطباق السورية، فإن حضر.. ألغى بمذاقه جميع الأطباق الأخرى لكونه يحظى بمكانة خاصة لدى الأغلبية، ما يجعل منه جزءاً مهماً من التراث الغذائي الغني في بلاد الشام، حيث تتلاقى النكهات والذكريات في كل لقمة.
أنواع ورق العنب
تتوزع أنواع ورق العنب بين نوعين رئيسيين: النوع البلدي، ويتميز بورقه الأخضر الفاتح، والطعم الحامض، ما يجعله مفضلاً لربات المنازل بسبب طعمه المميز وحموضته والتي لا تحتاج لإضافات وتعديلات أخرى كالجانرك أو عصير الليمون لتوازن الحموضة عند إعداده، لكن من مساوئه صعوبة لفه لصغر حجم الورق- أما النوع الثاني، الفرنسي وتكون الورقة أكبر حجماً من البلدي وهي ذات لون داكن وأكثر سماكة، لكنه أقل حموضة مقارنة بالنوع البلدي.
وعند سؤال عدد من ربات البيوت، تبين أن الآراء متباينة، إذ تبين هند أنها تفضل ورق العنب البلدي لطعمه الحامض على الرغم من صعوبات لفه، بينما صديقتها أم فادي، فتختار الورق الفرنسي بسبب سهولة الاستخدام وسرعة التحضير واختصار الوقت.
تحضير الأطباق
أما إذا ما أردنا أن نذكر الفرق بين صنفي الأطباق اليبرق واليالنجي، فتكون فكرة اليبرق مبنية على تحضيره من الأرز واللحم والبهارات، وفي طبق اليالنجي لا توضع اللحمة بالحشوة، بل التركيز على الأوراق الخضراء من البصل وورق النعناع الطازج ولفليفلة والطماطم، مع إضافة سر النكهة لهذا الطبق وهو (دبس الرمان وزيت الزيتون والقهوة).
تخزين ورق العنب
وهنا نجد أن الأسر السورية تسعى عادةً لشراء كميات جيدة من ورق العنب خلال فصل الصيف لتخزينها كمؤونة للشتاء، ومع تزايد انقطاع الكهرباء المتكرر ولفترات طويلة وبسبب ارتفاع أسعاره أيضاً، بدأت بعض الأسر تتوجه نحو تخزينه بكميات أقل من المعتاد، وبدأت بعض العادات القديمة في طرق تخزينه وحفظه كمؤونة تعود للواجهة.
طرق تقليدية
ومن طرق حفظ ورق العنب وحسب رأي الخالة أم رزق، تغمر الأوراق في مياه مملحة داخل علب زجاجية مع بعض الخل، أما الطريقة الثانية: فتلف كمية من الأوراق بشكل أسطواني وتخزين في عبواة بلاستك وتكبس بشكل محكم لإخراج الهواء ما أمكن منها، ومن ثم إغلاقها بإحكام بعد وضع قطعة نايلون على الفوهة، أما الطريقة الأخيرة فتنظيم من 20-25 ورقة فوق بعضها بشكل منظم وتلف على شكل لفافة إسطوانية وتغلف في غلاف بلاستيك مخصص على أن يكون محكم الإغلاق من طرفي اللفافة.
السوق والأسعار
وعن الأسعار الرائجة: يبيّن أحد الباعة أن سعر كيلو ورق العنب بداية الموسم بلغ 60 ألف ليرة في الأسواق، أما الآن بدأت بالانخفاض التدريجي، حيث يبلغ سعر الكيلو اليوم 50 ألف ليرة سورية، أما عن رأيه في النوع الأكثر طلباً، فيقول يُفضل النوع الفرنسي لكبر حجم الورقة.
زراعة ورق العنب
وعن زراعته؛ تبدأ زراعة “نصب” غراس العنب في الربيع، هذا ما بيّنه المهندس الزراعي يحيى عثمان، إذ يحصل المزارعون على الشتلات إما من تقليم الحقول القديمة أو من المشاتل، ويتطلب دونم الأرض حوالي 300 شجرة، وتزرع الأشجار عادة بشكل طولي باتجاه الجنوب والشمال، مع وضع عوارض إسمنتية، كما تحتاج الأشجار لدعم بالأسمدة الضرورية ورش العناصر المعدنية لمكافحة الآفات، حيث تعتبر حقول العنب بيئة خصبة لانتشار الحشرات.
موسم الحصاد
يمتد موسم حصاد ورق العنب من منتصف شهر نيسان حتى نهاية شهر حزيران حسب رأي عثمان، ويعتبر هذا الموسم ذا أهمية كبيرة للمزارعين، إذ يشكل فرصة لتحقيق دخل إضافي ويوفر للمستهلكين منتجات طازجة تعتبر جزءاً أساسياً من المطبخ السوري.
وختم عثمان أن موسم ورق العنب يمثل في سوريا جزءاً مهماً من الزراعة والثقافة، حيث تبقى هذه الأوراق رمزاً للغنى والكرم، يعكس كل لقمة من هذه الأطباق التقليدية قصة تمتد عبر الأجيال، تتجسد فيها قيم العائلة والتراث.