أميركا مترددة أم متأنية أم إنها لا تريد خوض حرب كبرى في المنطقة.. ماذا في كواليس الاتصالات العربية مع ترامب؟

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

حتى وقت متأخر من مساء أمس، وحتى كتابة هذه السطور، انتظر العالم ما سيقوله الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد اجتماعه الطارئ مع مجلس الأمن القومي الاميركي، لكنه لم يقل أي شيء رغم التكثيف الإعلامي الشديد الذي أظهر ترامب وكأنه سيخرج بين دقيقة واخرى ليعلن انضمام الولايات المتحدة بشكل مباشر للحرب الإيرانية الإسرائيلية.. ومع استمرار الانتظار تستمر عاصفة الصواريخ والمسيرات، مع تهديد الطرفين باستخدام أسلحة جديدة أخطر.

من غير المعلوم ماذا جرى في ذلك الاجتماع الطارئ الذي استمر ساعة و20 دقيقة، ولماذا لم يتحدث ترامب بعده. ربما لم يتوصل المجتمعون إلى قرار، وربما توصلوا من دون إعلان، ولكن ما يظهر حالياً أن إدارة ترامب تتأنى في اتخاذ قرار، وإذا ما اتخذته فهي تتأنى في تنفيذه. وليس بالضرورة هنا أن يكون القرار بالتدخل المباشر في هذه الحرب.. ربما القرار بالاستمرار في توجيه الضربات، وربما يكون وراء الكواليس جهود فعلية لحرف الحرب عن مسارها التصاعدي الذي بلغ مستويات هي الأخطر على الإطلاق بالنسبة للمنطقة، وحتى للعالم، ما دمنا نتحدث عن خيار نووي غير مستبعد.

ما الذي ينتظره ترامب حتى يعلن الموقف النهائي من المشاركة في الحرب.. وهل يتوجب المغامرة بالوصول إلى أقصى نقطة على خريطة المخاطر للعودة إلى خيار التفاوض.. وماذا إذا كانت الحرب تجاوزت كل إمكانية للعودة؟  

بالعموم يمكن القول إن إدارة ترامب غير واثقة حتى الآن ما إذا كان يتوجب عليه دخول الحرب أم لا، ولا يبدو أنها ستكون قريباً على غير هذه الحال. ما زال هناك اتفاق عام على أن كل ذلك التحشيد العسكري الثقيل الذي تواصله أميركا في منطقة البحر المتوسط هو تحشيد استعراضي.. هذا الاتفاق العام يقابله هامش صغير ينبه ويحذر من أن المنطقة قاب قوسين من الاشتعال، ويذكّر بأنه حتى قبل لحظات من بدء الضربات الإسرائيلية على إيران ليل يوم 13 حزيران الجاري، كان الاعتقاد السائد هو أن إسرائيل لن تفعلها ولن تدخل في حرب مباشرة مع إيران، لكن إسرائيل فعلتها ووضعت المنطقة والعالم كله في حالة ذهول وصدمة..

.. ثم كان الاعتقاد السائد أيضاً بعد بدء الضربات الإسرائيلية ثم الرد الإيراني عليها، أن المسألة كلها لن تتجاوز الرد الإيراني الذي ستتوقف بعده الضربات الإسرائيلية، لكن ما حدث من عنف الضربات المتتالية المتبادلة واستمرارها واستشراس الاستهدف والتهديدات، نقل العالم كله من حالة الصدمة والذهول إلى حالة هلع من تنفيذ التهديدات ومن الدخول الأميركي المباشر في الحرب الإيرانية الإسرائيلية مع إعلان ترامب صراحة وفي كل مناسبة أن إيران لا يمكنها الفوز في هذه الحرب.

ما تفعله إيران منذ بدأت الحرب وهو الفعل المتعاكس مع رغبة إسرائيل في تسريع جر واشنطن إلى الحرب.. إيران حتى الآن تتصرف بحذر شديد فلا تقترب من القواعد والمصالح الأميركية

الآن.. كل التوقعات قائمة، والحرب مفتوحة على كل السيناريوات بما فيها ما يسمى «النووي التكتيكي» أي المحدود أو المؤطر مكاناً باتجاه هدف محدد، وهو ما تلوح به إسرائيل.

وسائل إعلام أميركية تحدثت عن يومين مقبلين حاسمين لتقييم إمكانية العودة إلى التفاوض أو تصعيد العمل العسكري من خلال التدخل الأميركي المباشر، وهو القرار الأكثر احتمالاً إذا كان ترامب جاداً في تهديده إيران بأن «عليها الاستسلام الكامل من دون شروط».. إيران على الأكيد ليست في وارد الأخذ بتهديد ترامب، بل إن المرشد الأعلى على الخامنئي رد قائلاً: من يعرفنا لا يهددنا.

بانتظار قرار نهائي من ترامب، يستمر المحللون والمراقبون في وضع السيناريوات المقبلة للحرب ويحددونها بالتالي:

– الأول وهو الأكثر تداولاً بفعل رخم التصريحات المتوالية حوله وهو أن إسرائيل ستستمر في محاولات جر الولايات المتحدة إلى الحرب، وأنها قد تنجح في ذلك وإن كان رغبة واشنطن النهائية هي في عدم دخولها. ما تفعله إيران منذ بدأت الحرب وهو الفعل المتعاكس مع رغبة إسرائيل في تسريع جر واشنطن إلى الحرب. إيران حتى الآن تتصرف بحذر شديد، فلا تقترب من القواعد والمصالح الأميركية. هي تدرك أن أي فعل من هذا القبيل عواقبه وخيمة، دون حاجة إلى تصريحات أميركية بهذا الخصوص. ترامب هدد بأن الجيش الأميركي سيرد بأقصى شدة في مثل هذه الحالة وعلى نطاق غير مسبوق.

بين يوم وآخر يتم الإعلان عن اتصالات عربية سواء مع إيران أو مع ترامب ولكن حتى الآن ليس هناك من نتيجة محددة يتم الإعلان عنها سواء لناحية التهدئة أو ما إذا كان التصعيد سيأخذ أشكالاً أكثر شراسة

لذلك فإن إيران لن تستهدف أياً من القواعد والمصالح الأميركية إلا إذا أجبرت على ذلك.

– الثاني أن تقرر الولايات المتحدة الدخول في الحرب بمبادرة منها.. فإذا أمر ترامب الجيش الأمريكي بالمشاركة في هجمات على المنشآت النووية الإيرانية، فسيكون ذلك تصعيداً معناه التدخل المباشر. مع ذلك، لا يبدو هذا مرجحاً في الوقت الحالي، أقله في الأيام القليلة المقبلة، حيث لا يزال هناك تعويل على التهدئة والاحتواء. وكان فريق ترامب أبلغ العديد من شركائه في المنطقة بعدم وجود نية للتدخل المباشر بشكل فاعل في الحرب مادامت إيران لم تهاجم أي أهداف أميركية.

مع ذلك، ثمة مؤشرات على أن الولايات المتحدة تُبقي خياراتها مفتوحة، حيث نشر الجيش الأميركي عشرات الطائرات الناقلة للوقود في أوروبا، لتسهيل نشرها بسرعة في الشرق الأوسط عند الحاجة. وتُعدّ الطائرات الناقلة مهمةً للوجستيات في المهام القتالية واسعة النطاق، فهي تُمكّن الطائرات المقاتلة، على سبيل المثال، من البقاء في الجو لفترات أطول بكثير أو قطع مسافات أطول للوصول إلى الأهداف.. هذا عدا عن إرسال ثلاث حاملات طائرات أميركية إلى مياه المتوسط.

– الثالث هو بقاء الولايات المتحدة خارج التدخل العسكري، وسبق لترامب غير مرة التوضيح بأنه لا يريد جرّ الولايات المتحدة إلى حروب جديدة، فالصراعات العسكرية في أي مكان من العالم لا تتوافق مع سياسته «أمريكا أولاً».. وبينما يعتمد الجمهوري على خطاب عدائي وحشد عسكري، يزعم ترامب أن الهدف هو الردع، ويقول إنه لا يرغب في رؤية الشرق الأوسط مشتعلاً، أو يُتهم بفقدان السيطرة، أو ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً بشكل جنوني، ما سيؤثر في نهاية المطاف على ناخبيه في الداخل. لذلك، بينما يُعدّ الامتناع عن التدخل العسكري خياراً وارداً، فإنّ التقاعس السياسي ليس كذلك.

– الرابع، التفاوض مع إيران. ترامب يتحدث دائماً حول ذلك. فمنذ اليوم الأول يؤكد إمكانية التوصل إلى اتفاق، وأنه في ظلّ الضغوط الأقصى، قد تكون طهران الآن أكثر استعداداً للتفاوض.

في كل هذه السيناريوات المحتملة، نلاحظ بوضوح «الشيء وعكسه». في كل سيناريو هناك سيناريوان، ما يعني أن أي أحد غير قادر على تحديد سيناريو واحد، وهذا منطقي في ظل مسار الحرب مفتوح على كل الخيارات، وتالياً السيناريوات.

الآن، ومرة أخرى، ما الذي تفعله دول المنطقة، خصوصاً العربية، في خضم كل ذلك؟.. هل هي في وضعية المتفرج فقط، أو لنقل في وضعية من لا يستطيع فعل شيء في ظل حالة التصعيد المطلق (وعدم الاصغاء) من قبل الجانبين، أم إن هناك جهوداً غير معلنة في سبيل الاحتواء والتهدئة، وهل تستطيع فعلاً القيام بهذه المهمة؟

المنطقة بدولها العربية وغير العربية تقف على أعلى درجات الترقب والقلق ولا تملك عملياً سوى الانتظار على أمل أن تحدث معجزة تعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل 13 حزيران الجاري  

بين يوم وآخر، يتم الإعلان عن اتصالات عربية هاتفية سواء مع إيران أو مع ترامب (إلى جانب اتصالات دول غربية مع كل من إسرائيل وإدارة ترامب) ولكن حتى الآن ليس هناك من نتيجة محددة يتم الإعلان عنها، سواء لناحية التهدئة والاحتواء أو لناحية ما إذا كان التصعيد في الأيام المقبلة سيأخذ أشكالاً أكثر شراسة.

لكن الأكيد طبعاً أن المنطقة بدولها العربية وغير العربية تقف على أعلى درجات الترقب والقلق، ولا تملك عملياً سوى الانتظار على أمل أن تحدث معجزة تعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل 13 حزيران الجاري.

Leave a Comment
آخر الأخبار