الحرية – أيمن فلحوط:
قصص عديدة من المعاناة للناجين والناجيات من الاعتقال وأسرهم، بحاجة ماسة لإعادة تأهيلهم نفسياً واجتماعياً، لتعويض أشكال الحرمان المختلقة، وما تعرضوا له من تعذيب وقهر من قبل النظام البائد على أيدي السجانين في دهاليز وأقبية المعتقلات المختلفة.
جمعية انعكاس الروح، التي أشهرت في محافظة ريف دمشق، بموجب قرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل 648 لعام 2024، في رسالتها تسعى إلى تمكين الأفراد، من خلال تقديم خدمات تعليمية ونفسية متميزة، تساعد على بناء قدراتهم وتطوير مهاراتهم الذاتية والمهنية، وإحداث تغيير إيجابي ملموس في المجتمع، من خلال البحث العلمي والابتكار التربوي والنفسي.
من هذا المنطلق اختارت الجمعية عنواناً مهماً، ومجتمعنا بحاجة ماسة له في هذا الوقت العصيب على شعبنا، فكانت ورشة العمل التي حملت عنوان: “أهمية الصحة النفسية للمجتمع السوري في الوقت الراهن.. التأهيل النفسي والاجتماعي للناجين والناجيات من الاعتقال وأسرهم”، واحتضنها المركز الثقافي في مدينة جرمانا.
تصدى الاستشاري في العلاج النفسي الدكتور عبد الفتاح الحميدي، رئيس مركز الذات الدولي للغوص في التفاصيل الخاصة للتعريف بأهمية الصحة النفسية، والعلاج النفسي، والأساليب الكفيلة بعودة أصحاب المعاناة للحالة الطبيعية ودمجهم في المجتمع.
التأهيل النفسي والاجتماعي للناجين والناجيات من الاعتقال وأسرهم
أهمية الصحة النفسية
كان التركيز الأساس لورشة العمل على أهمية الصحة النفسية، فالبعض وفقاً للدكتور الحميدي يفكر في أن الصحة النفسية هي رفاهية، وتساءل: كيف تكون لدينا صحة نفسية؟
حسب تعريف منظمة الصحة العالمية التي تقوم على ثلاثة معايير هي: الصحة المجتمعية من خلال كيف تكون علاقاتنا سوية مع الآخرين ومع ذاتي، والصحة النفسية الخالية من الاضطرابات النفسية، وكيف يكون لدي قيم لتطوير الذات، والصحة النفسية الخالية من الأمراض المزمنة، والتي هي في الأساس منشؤها نفسي.
وتحدث الاستشاري الحميدي عن أهمية الصحة النفسية، وكيفية العمل على بناء ذات الإنسان، لأنه إذا لم يكن لدينا صحة نفسية، فلن نستطيع بناء المجتمع، فمجتمعنا بحاجة لأشخاص يكون لديهم سلام داخلي، لتقبل الآخر والحوار وأفراد المجتمع.
د. الحميدي: الأطفال الأكثر هشاشة وتعرضاً للاضطرابات النفسية
وركز د. الحميدي على أهمية عدم انعكاس المتاعب النفسية على الأمراض الجسمانية التي تصيب الناس، مثل الكولون وارتفاع ضغط الدم والسكر، وأمور أخرى من باب أهمية الصحة النفسية.
وأشار للفئات الأكثر هشاشة وتأثيراً في الاضطرابات النفسية جراء الحروب أو النزاعات، أو حتى أمر الاعتقال، وأكثر شيء الأطفال ثم النساء، وكيف يمكن للطفل الذي يعاني أن تنتقل المعاناة معه مستقبلاً، وأن نحميه كي لا يصل إلى الشخصية السيكوباتية والنرجسية أو شخصيات أخرى تؤذي ذاتهم والمجتمع.
وعرض د.الحميدي للتقنيات الأساسية للناجين والناجيات، من خلال الآثار النفسية، وأطراف ما بعد الصدمة، وكيف يؤثر عليهم نفسياً وأسرياً ومجتمعياً، وكيف يمكن أن نبني خططاً نفسية وعلاجية بهذا المجال قد تمتد بين أيام وأسابيع و حتى أشهر.
وخلص في الاستنتاجات إلى بناء الخطط على أسس ذات قيمة إنسانية في مجال المعالجة، تعيد بناء هوية الأشخاص المعتقلين أو الناجين والناجيات، لكون المسار الأساسي يركز على إعادة هوية هذا الشخص، ولذلك كان التركيز الأساسي كيف نعيد هوية هذا الشخص، ونخفف الآثار النفسية، وكيف نعيد بناء ذات الشخص.
وأجاب د.الحميدي على تساؤلات الحضور عن الآليات التي يتعاملون معها لهذه الفئات ضمن خطط علاجية، ومشاريع تعيد الحياة العادية لضحايا التعذيب في السجون للناجين والناجيات، وشدد على أهمية أن يكون هناك برامج تعنى بالصحة النفسية منشودة في كل المؤسسات المدنية والاجتماعية.
ورداً على تساؤل صحيفة ” الحرية ” حول التعاون مع جمعية انعكاس الروح بيّن د.الحميدي أن من واجبهم كمختصين أن يمدوا يد العون الأكاديمية والخبيرة لهذه الفئات، كما أنهم مجبرون على التشبيك وفقاً لذلك إنسانياً.. ولنضع خبراتنا أمام أهلنا بشكل عام.
وحول أهمية بناء الثقة بين الناجي والناجية والمعالجين، ركز د.الحميدي على الدور الذي يمكن أن يتحلى به المعالج في إبعاد أي شي يمكن أن يعيد أصحاب المعاناة للواقع الذي كانوا يعيشونه، مبيناً أن أحد أصحاب المعاناة، وكان طبيباً توقف عن القدوم إلى العيادة للمعالجة، وحين بحثنا عن السبب تبين أن مدخل العيادة يذكره بالسجن، فقمنا بتعديل المدخل والدرج لندخل الاطمئنان عليه من جديد، ويتابع علاجه مجدداً.
متطلبات المرحلة الراهنة
مديرة المركز الثقافي في مدينة جرمانا رمزة خيو بينت أن المركز في هذه الفترة يركز أنشطته على متطلبات المرحلة الراهنة، وخاصة المتعلقة بالنواحي الاجتماعية والقانونية، والورشة كانت حول أهمية الدعم النفسي والاجتماعي لأهالي الناجين والناجيات وأسرهم من المعتقلات، وهي خطوة مهمة تتحدث عن حالات واقعية لأشخاص بحاجة لإعادة دمجهم في المجتمع ومع أسرهم، وهم طاقات فعالة يمكن الاعتماد عليها والاستفادة من القدرات الكامنة في داخلهم بمرحلة البناء القادمة، بعد معاناتهم لسنوات طويلة في السجون، وتالياً نساهم معاً في تأهيلهم نفسياً واجتماعياً بالتعاون مع الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني في هذا المجال، والمركز يدٌ واحدة مع باقي المنظمات والمجتمع المحلي لأي عمل يهدف إلى دعم أي فئة من فئات شعبنا، لتجاوز المراحل الصعبة في حياتهم والاستفادة من إمكانياتهم في مرحلة البناء القادمة.
عمل الجمعية
مدير مشروع التأهيل النفسي والاجتماعي للناجين والناجيات من الاعتقال في جمعية “انعكاس الروح” صالح الإسماعيل تحدث عن عمل الجمعية في التأهيل النفسي والاجتماعي للناجين والناجيات، مشيراً إلى أن الأرقام التي تصلهم بين اليوم والآخر حول المعتلقين في المجتمع السوري مرعبة جداً، فبعض مراكز الرصد والمنظمات المعنية تقول: إن عدد الذين اعتقلوا خلال السنوات الماضية يتراوح بين 300 و350 ألف معتقل ومعتقلة، فيما بعض المنظمات ذهبت للقول: إن العدد يتجاوز نصف المليون، في حين وصل عدد الناجين والناجيات إلى ما بين خمسة آلاف إلى ستة آلاف، الذين خرجوا من السجون، ما يعني أننا فقدنا الكثير من الشبان والشابات و من جميع فئات المجتمع الذين كانوا في المعتقلات،
وهذه النقطة وضعتنا كجمعية أمام مفترق طرق في استراتيجية عملنا ومشاريعنا، لنتوجه إلى هذه الفئة المستهدفة للعلاج، فجزء منهم صُليت عليهم صلاة الغائب، وجزء مازال ينتظر، وجزء آخر يبحث عن بصيص أمل بين الأوراق المحفوظة في سجلات النظام المجرم في سوريا ليتعرف على مصير أحبة كثر لم يُعرف مصيرهم بعد.
وأضاف الإسماعيل: لذلك بدأنا التشبيك مع عدد من الجهات الأكاديمية المعنية، مثل جامعة دمشق، وبعض الجهات الاجتماعية والأهلية والمنظمات العاملة في سوريا، وأيضاً مع الخبرات السورية في المهجر من أمثال الدكتور عبد الحميد الحميدي، وعدد آخر من الدكاترة العاملين خارج سوريا، الذين أبدوا رغبة واضحة في التعاون، وهم الذين يملكون الخبرة للتعامل مع تلك الحالات للناجين والناجيات من سجون الاعتقالات، في ضوء غياب هذه الخبرة على الصعيد المحلي، للتعاون مع تلك الحالات كما وجدنا على أرض الواقع، ليكون تدخلنا في ميدان المعالجة والتعامل مع تلك الحالات على أسس صحيحة وعلمية، وقد يحتاج الأمر لأشهر أو أكثر من ذلك، ومن هذا المنطلق تم العمل على تأسيس برنامج تدريبي للتعامل مع الناجين والناجيات من المعتقلات وقد يستغرق من ثلاثة إلى تسعة أشهر، وسينفذ في جامعة دمشق وسيتم الإعلان عنه بشكل رسمي هذا الأسبوع، والبداية في الأسبوع القادم.
وحدد مدير المشروع البرنامج بثلاثة مسارات، يتعلق بآثار الترهيب والحالة النفسية وإدارة الحالة.. والمسار التخصصي عبارة عن برامج علاجية، والتقدم والالتزام بالعلاج والسلوك المعرفي، وبناء السلام والتدريب المهني والتدريب القانوني لاستيعاب هؤلاء الناس.
وسيكون هناك تسجيل أولي للبرنامج للمتدربين من خلال بعض المتطوعين في الجمعيات والمرشحين من قبل الشركاء للجمعيات الأهلية والمتقدمين عبر التسجيل الرسمي، مع تقييم على أساس التخصص في الجانب النفسي للمتدربين.