أوسلو.. اختبار الإرادات بين واشنطن وطهران في زمن الفرص الضائعة

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية –أمين سليم الدريوسي:

في عالم يزداد اضطراباً، حيث تسود النزاعات وتغيب الحلول، تبدو العودة إلى طاولة الحوار أمراً أشبه بالمخاطرة أو المعجزة، هكذا يبدو المشهد بين الولايات المتحدة وإيران في أعقاب تصعيد عسكري دامٍ دامَ 12 يوماً، خلّف أصداءً متوترة في العواصم العالمية، فمن بين الأنقاض السياسية والركام العسكري، تلوح العاصمة النرويجية أوسلو كمسرح محتمل للقاء غير معلن قد يجمع المبعوث الأمريكي الخاص، ستيف ويتكوف، ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في محاولة قد تعيد بعث الروح في مفاوضات نووية تكلّست لسنوات، وقد تعيد ترتيب الأوراق في واحدة من أكثر الأزمات استعصاء في العالم المعاصر.
إذا من جديد تدخل واشنطن على خطّ التسوية، لكن هذه المرة ليس من خلال تهديد أو وعيد، بل عبر حوار خلف الأبواب المغلقة، يستند إلى اتصالات لم تنقطع بين الجانبين رغم ضجيج المعارك، وهو ما أفاد به مصدران دبلوماسيان لموقع «أكسيوس»، ليعيدا اسم «أوسلو» إلى الواجهة، ليس بوصفها عاصمة هادئة فحسب، بل بوصفها تقليداً دبلوماسياً عريقاً في صناعة المصالحات الصعبة.

أوسلو.. أرض اللقاءات السرية

إذاً تكمن رمزية أوسلو بما تحمله من ذاكرة سياسية ودبلوماسية غنية، من اتفاقات التسعينات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وصولاً إلى تفاهمات ما وراء الستار لأزمات عديدة بين أطراف متعددة، واختيارها اليوم ليس عبثاً، فالبيئة الحيادية، والثقة الدولية الممنوحة للنرويج، فضلاً عن البعد الجغرافي عن ساحات التوتر، يجعلها مرشحاً مثالياً لأي انفراجة مفاجئة.
ورغم عدم تأكيد أي من واشنطن أو طهران للقاء المرتقب، تشير التحركات الجانبية، والتكتم الإعلامي، إلى أنّ خطوطاً خلفية لا تزال مفتوحة بين البلدين «العدوين»، ولا يما أنّ سلطنة عُمان وقطر واصلتا دورهما النشط كوسيطين مقبولين من الطرفين، وهذا مؤشر على وجود رغبة، حتى وإن كانت مشروطة، بالخروج من النفق المظلم إلى «نقطة حوار».

من التصعيد إلى الدبلوماسية هل آن الأوان للحلول السلمية؟
أحدثت الضربات الإسرائيلية على المواقع النووية والعسكرية الإيرانية، واغتيال عدد من القيادات العسكرية والعلماء النوويين، شرخاً في العلاقات، وأدت إلى تصعيد كبير في التوتر، ثم جاء الرد الإيراني بهجمات صاروخية واسعة، تلاها إعلان مفاجئ لوقف إطلاق النار من قبل الرئيس الأمريكي. فهل تمهد هذه الهدنة الطريق أمام الدبلوماسية؟
إذا ما تحقق لقاء أوسلو بالفعل، فسيشكل أول مواجهة مباشرة على مستوى رسمي رفيع منذ الضربات العسكرية التي أمر بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكن الدلالة الأهم تكمن فيما إذا كانت هذه الخطوة تعني رغبة حقيقية بـ«تفكيك عقدة البرنامج النووي الإيراني»، أم إنها مجرد تهدئة تكتيكية في لحظة إقليمية حرجة.
وهنا تُطرح أسئلة ملحة، هل اللقاء يهدف فقط إلى استئناف المفاوضات من حيث توقفت؟، أم إنه يأتي في سياق مقايضات أكبر تشمل ملفات المنطقة برمتها؟
ومن هنا لا يمكن فصل التوقيت عن السياق، إذ إن إسرائيل خرجت من المواجهة الأخيرة بجراح سياسية، فيما تعاني إيران من أزمات اقتصادية خانقة، وتواجه واشنطن انتقادات داخلية بشأن إدارتها للملف الإيراني. وبالتالي، بل ربما ضرورة لكل طرف أن يبحث عن طريق لإعادة التموضع.

الخوف من «سلام مؤقت»

ورغم الآمال المعقودة على «مسار أوسلو»، لكن لا يمكن إغفال هشاشة الاتفاقات التي لا تُبنى على أسس راسخة، فالماضي القريب يشهد على خمس جولات من المحادثات غير المباشرة بين الجانبين، احتضنتها مسقط وروما، لكنها انتهت إلى لا شيء، فهل ينجح التفاوض المباشر فيما أخفقت فيه الوساطات السابقة؟
اللافت أيضاً أن الهدنة التي أنهت جولة الصراع الأخير بين إيران وإسرائيل جاءت بشكل مفاجئ، الأمر الذي عزز فرضية أنه ربما يكون وراءها صفقة سياسية أوسع، وقد تكون أوسلو امتداداً لهذه الصفقة أو ربما هي مجرد محاولة أخيرة لإنقاذ ماء وجه الدبلوماسية قبل أن تندلع مواجهة أشد.

في انتظار الإجابة

لكن وفي اللحظات التي تتنازع فيها الدبلوماسية مع السلاح، تبدو أوسلو كمؤشر على تحول مزاجي في الطريقة التي يُدار بها الملف النووي الإيراني، لكنها في الوقت ذاته تذكير بأن أي تقارب، إن لم يكن مدعوماً بنية صادقة وإرادة إستراتيجية، قد ينتهي كذكرى هامشية في أرشيف الصراعات الكبرى.
ومع دخول الأزمة الإيرانية الأمريكية منعطفاً جديداً، تبقى المنطقة تعيش تفاؤلاً حذراً، وتظل الأنظار شاخصة نحو العاصمة النرويجية، فيما تترقب العواصم العالمية، وحتى الشارع العربي والعالمي، ما ستسفر عنه هذه اللقاءات المرتقبة، فهل ستنجح الدبلوماسية في إخماد نيران الصراع، أم أننا على موعد مع تصعيد جديد؟ تبقى الإجابة معلقة في مهب الريح، والأمل الوحيد هو أن يتمكن القادة من إيجاد أرضية مشتركة، وتحقيق السلام قبل فوات الأوان.

Leave a Comment
آخر الأخبار