الحرية – مها سلطان:
لا شك أن الجولة الأولى من اجتماعات اللجنة الحكومية وقوات «قسد» التي عُقدت أمس، أعادت التركيز على الاتفاق التاريخي الذي تم توقيعه في 10 آذار الجاري بين الجانبين، من قبل الرئيس أحمد الشرع والقائد العام لقوات “قسد” مظلوم عبدي. ويبدو أن خطوات التنفيذ ستكون واسعة ومتسارعة ربطاً بالزمن القصير الذي فصل بين توقيع الاتفاق وانعقاد هذه الجولة، وهو عشرة أيام فقط، وهي الفترة نفسها التي تفصلنا عن بدء عمل اللجان المشتركة التي تم تشكيلها لوضع الاتفاق موضع التنفيذ، إذ يبدأ عملها بداية شهر نيسان المقبل، وفق المُعلن.
ويبدو أيضاً أن خطوات التنفيذ ستوسع حالة الاستقطاب متعدد الأطراف. صحيح أن السوريين هم المعنيون بالدرجة الأولى، ولكن لا يخفى على أحد أن أطرافاً عدة، إقليمية ودولية، تتشارك معهم، لناحية المصالح وترتيبات المرحلة المقبلة التي تتجاوز بالتأكيد الداخل السوري. وعندما يكون هناك حضور أميركي ظاهر (داعم ودافع حسب المتداول) فمن الطبيعي أن تحظى مسارات التنفيذ باهتمام وترقب واستقطاب، في منطقة شديدة الأهمية في خصوصيتها وفي حساسيتها، ليس فقط بالنسبة للسوريين، بل للمحيط الإقليمي الذي يترقب ويتوجس من كل خطوة أميركية في المنطقة، ويسعى لاحتواء تداعياتها وتجييرها باتجاهات متوازنة لمصلحته.
تنفيذ اتفاق 10 آذار لن يكون مهمة سهلة وهذا ينسحب على مجمل القضايا المعنية بتفاصيلها الشائكة داخلياً وتداخلاتها الإقليمية
– تفاؤل عام
طبعاً من نافل القول الحديث عن دور أميركي، وتالياً حضور أميركي في الاجتماعات ومسارات التنفيذ، تبعاً للتواجد الأميركي في المنطقة وعلاقته مع المكون الكردي، ولكن عندما يتم الحديث عن دور أميركي داعم دافع ومساند فإن هذه خطوة تصب في مصلحة الدولة السورية والقدرة إلى قيادة تفاوض يتم معه التوصل إلى نقاط مشتركة في مسألة تعد الأعقد والأصعب بجانبيها الأميركي والكردي، ومن ثم التوافق على مرتكزات انطلاق باتجاه وضع اتفاق 10 آذار موضع التنفيذ. هذا لا يعني أن التنفيذ سيكون مهمة سهلة وبما ينسحب على مجمل القضايا المعنية، وتفاصيلها الشائكة داخلياً، وتداخلاتها الإقليمية، فكل واحدة منها أعقد وأصعب من الأخرى، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. مع ذلك يرى السوريون أن من استطاع إنجاز اتفاق 10 آذار بإمكانه التكفّل بكل تعقيدات التنفيذ وحساسياته الداخلية، وتداخلاته الإقليمية. وهناك تفاؤل عام، وواقعية في آن، من قبل السوريين حيال النظر إلى الاتفاق ومسارات التنفيذ بدءاً من الجولة الأولى (التمهيدية) التي عقدت أمس الأربعاء في أحد مقرات “قسد” في منطقة الشدادي/ الحسكة، والتي خرج عنها تصريحات إيجابية بارزة.
هناك تفاؤل عام وواقعية في نظرة السوريين ويرون أن من استطاع إنجاز اتفاق 10 آذار بإمكانه تذليل تعقيدات التنفيذ مهما كانت شائكة وحساسة
– لنوضح أكثر أهمية هذه الجولة
– هي خطوة متقدمة، رغم أنها أولى وتمهيدية حسب التوصيف، وذلك قياساً لما تضمنته من مباحثات حول مختلف القضايا، بما فيها تلك التي تشكل «نقاط أزمة» لناحية ملفات سياسية يتم ترتيبها، تتعلق بشكل وحجم ومضمون المشاركة السياسية/الدستورية في رسم مستقبل سوريا.
– الأجواء الإيجابية التي سادت وميزت الجولة الأولى، فوفق التصريحات انطلق النقاش على قاعدة المسؤولية الوطنية وبإرادة مشتركة تهدف إلى وحدة الأراضي السورية على أساس جامع دون إقصاء أحد.
الأجواء الإيجابية التي سادت الجولة الأولى تنطلق من أن النقاش كان على قاعدة المسؤولية الوطنية وعلى أساس جامع دون إقصاء أحد
– عندما يتم التأكيد على أن الوضع في شمال شرقي البلاد هو شأن سوري داخلي وجزء من مسار وطني بحت (وفق تصريحات رئيس اللجنة الحكومية حسين السلامة)، فهذا يعني توافق تام مع الجانب الآخر (المكون الكردي) على أن هذا الأمر هو قاعدة التفاوض والتنفيذ.. أمّا ما يخص الحضور الأميركي فليس بالضرورة أن يكون حضوراً سلبي التأثير إذا ما أخذنا بالاعتبار المصلحة الأميركية النهائية في سورية مستقرة. وليس في هذا مغالاة، كما قد يتهمنا البعض، فإذا وسّعنا الرؤية يمكن لنا القول إن الدور الأميركي هنا يأتي في سياق المنعطف الحالي في السياسات الأميركية تجاه المنطقة، وفق إدارة جديدة لخطوط النار. ويبدو أن أميركا تريد سوريا خارج خطوط النار في حال صدقت نياتها حيال دور إيجابي في توحيد سوريا ودعم استقرارها.
– ربطاً بذلك، لا بد من ملاحظة التوجه الأميركي نحو مزيد من العلانية فيما يخص الدور والدعم، وفي هذا دلالة ورسالة، فوفق التصريحات المتداولة فإن الطرف الأميركي حث المكون الكردي على توسيع التعاون وتعزيز العلاقات مع الدولة السورية. وكانت الجولة الأولى تضمنت جلسات ثلاث، آخرها كانت بين الوفد الحكومي وفريق أميركي دون مشاركة قسد. ومن المفيد هنا إيراد ما ذكره الفريق الأمريكي للوفد الحكومي من أنهم «متعاونون بأعلى المستويات لإحلال السلام على الأراضي السورية».
بقدر ما هي الدولة السورية في سباق مع الزمن لتنفيذ الاتفاق واستعادة وحدة البلاد وعافيتها السياسية والاقتصادية بقدر ما هي الأطراف الأخرى في السباق نفسه لتكون داعماً ومسانداً على الأرض
– تطورات إقليمية/دولية
– هذه الجولة عززت نتائجها بالاتفاق على تشكيل لجان عمل متناظرة تخصصية. أي أن جميع الملفات ستكون حاضرة، السياسية والاقتصادية والعسكرية، وبإدارة خبراء ومختصين، ووفق المتداول فقد تم إطلاع كل طرف على رؤية الطرف الآخر لآلية تطبيق اتفاق 10 آذار والعقبات.
– هذه الجولة وما سيليها من جولات باتجاه تسريع وضع اتفاق 10 آذار موضع التنفيذ.. يأتي مدفوعاً بتطورات إقليمية دولية متسارعة تضع جميع الأطراف في سورية أمام تحدي البدء بالعمل فوراً لاستعادة وحدة البلاد والانطلاق بعملية الإعمار والبناء قبل فوات الأوان، فبقدر ما هي القيادة السورية الجديدة في سباق مع الوقت لتحقيق هذه الأهداف، بقدر ما يتوجب على الأطراف الأخرى (الكردي وغيره) أن يكون داعماً ومسانداً على الأرض، وإذا ما خرج علينا البعض بالادعاء بأن ما سبق يصب فقط في مصلحة القيادة السورية الجديدة، نقول فليكن، لنعتبر أن هذا ما يجري، ولكن بالمقابل فإن جميع المكونات، وعلى رأسها المكون الكردي يجيد قراءة المتغيرات والتطورات، خصوصاً في الإقليم، فإذا ما كان يريد موقعاً في سوريا المستقبل، بمعنى المشاركة وتأكيد الوجود، فإن لا خيار أمامه سوى التعاون والتفاوض، ولا خيار أمامه سوى أن يكون جزءاً فاعلاً مؤثراً، قبل أن تتجاوزه المتغيرات والتطورات، ففي النهاية الموقف الإقليمي الدولي يتجه نحو تسنيد دعائم الدولة السورية الجديدة.. والدلائل على ذلك قائمة ومستمرة ومُعلنة وتتوسع.. والهدف النهائي سوريا واحدة موحدة وآمنة.
استمرار التفاؤل مرتبط ببدء التنفيذ وفي حسن إدارته حتى تكون النتائج مضمونة وعملية وفاعلة بصورة شاملة
– عودة إلى اتفاق 10 آذار
مما سبق، يعود التركيز على تاريخية اتفاق 10 آذار الذي أنجزته القيادة السورية مع قسد، خصوصاً على المستوى الاقتصادي/التجاري، باعتبار أن المنطقة مركز الثروات والزراعات الاستراتيجية، وإحدى مرتكزات الأمن المائي، هذا عدا عن موقعها الحدودي مع دولتين مهمتين جداً، العراق وتركيا.
هذا غيض من فيص ما يمكن إيراده بخصوص اتفاق 10 آذار، لكن الحَكَم في استمرار التفاؤل يبقى في وضع الاتفاق موضع التنفيذ في أسرع وقت ممكن، وأيضاً في حسن إدارة مسارات التنفيذ حتى تكون النتائج مضمونة، عملية وفاعلة بصورة شاملة.