الحرية – لوريس عمران:
ينطلق أيلول حاملاً البدايات الجديدة بين زراعة الأرض وتنظيم الحياة، ويضع الإنسان في طور انتقالي دقيق بين انفتاح الصيف واتساعه وبين انضباط الخريف وعمقه.
لم يكن هذا الشهر في ذاكرة الشعوب القديمة مجرد موعد لانطفاء وهج الطبيعة، بل رمزاً لبداية جديدة، حيث يقترن حصاد الأمس بغرس الغد، في دورة زمنية تعيد للإنسان صلته بالأرض والسماء معاً.
تهيئة الأرض وبذور المستقبل
في الأسواق الشعبية بريف اللاذقية حيث تنضج آخر ثمار الصيف، بدا واضحاً أن هذا الوقت يحمل للمزارعين إشارات واضحة لتهيئة الأرض واستقبال دورة زراعية جديدة.
أحد المزارعين في ريف جبلة أشار لصحيفتنا الحرية إلى أن هذه الفترة تمثل بالنسبة له بداية عمل جاد، إذ يبدأ بقلب التربة وإعدادها استعداداً لموسم القمح والشعير، مضيفاً أن هذا الطقس السنوي لا يعد مجرد عمل زراعي، بل نوع من تجديد العلاقة مع الأرض وتجديد الأمل بالموسم المقبل.
استعداد العودة إلى المدارس
في مدينة اللاذقية، تتهيأ العائلات لعودة أبنائها إلى صفوف الدراسة، وتزداد حركة المكتبات ومحال القرطاسية، حيث يشتري الطلاب دفاترهم وأقلامهم وحقائبهم الجديدة.
إحدى الأمهات أكدت أن هذه الفترة بالنسبة لأسرتها لا تقتصر على انطلاقة الدراسة، بل تمثل لحظة انضباط للأسرة كلها، إذ يعود الأطفال تدريجياً إلى روتين منظم، وتصبح العائلة أكثر التزاماً في مواعيدها وحياتها اليومية.
التوازن الداخلي وانطلاقة الأحلام
الأخصائي النفسي الدكتور أحمد الحسين أكد “للحرية” أن هذه الفترة تساعد الإنسان على إعادة التوازن الداخلي بعد تمدد الصيف وصخبه، لافتآ إلى أنها توفر فرصة للتوقف والتأمل ومراجعة ما مضى ووضع أهداف جديدة، مما يعزز الشعور بالاستقرار النفسي.
وفي الجانب التربوي أشار الأستاذ الجامعي في كلية التربية بجامعة اللاذقية الدكتور مازن يونس إلى أن الاستعداد المدرسي في هذا الوقت ليس مجرد تقليد إداري، بل تماهٍ مع إيقاع الطبيعة نفسها، فكما تعود الأرض إلى استقبال بذورها، يستعد الطلاب للعودة إلى مقاعدهم حاملين بذور المعرفة التي ستثمر لاحقاً.
بوابة جديدة ووعد صامت
يبقى أيلول في الذاكرة والوجدان شهر التحول والبدايات، فهو الموعد الذي تعلن فيه الطبيعة والإنسان معاً استعداداً لدورة جديدة.
وبين انضباط المزارع في حقله واستعداد الطالب في مدرسته، تتأكد رسالة هذا الوقت أن البدايات لا تأتي فجأة، بل تنمو بصبر على مهل، كما تنمو البذور في أعماق الأرض حتى يحين موعد إزهارها، فتزهر معها أحلام الناس في حقولهم ودفاترهم وأيامهم المقبلة.