الحرية- دينا عبد:
يأمل العديد من طلاب الجامعات بعد التحرير والنصر في الحصول على شهادة جامعية وتحسين سبل عيشهم، ومع ذلك ما زال الطلاب يخوضون تجربة الحياة الجامعية، وغالباً ما يواجهون تحديات قد تبدو مستعصية على الحل هذه العقبات كانت سابقاً تمنع بعض الطلاب من تحقيق آمالهم وأحلامهم فكانوا يضطرون إلى تأجيل دراستهم أو توقيف تسجيلهم أو السفر خارج البلد للهروب من الخدمة العسكرية الإجبارية التي كان يفرضها النظام البائد.
معروف قاسم طالب في السنة الرابعة (كلية الهندسة الميكانيكية) يقول للحرية: كنت ألجأ للرسوب بالامتحان عمداً كي أؤجل خدمة الجيش، أما اليوم وبعد التحرير وزوال النظام البائد أدرس ساعات أطول كي أتخرج، فالحياة أصبحت أفضل من الماضي فلا خدمة إلزامية كما السابق، والشاب عندما يتخرج يدخل سوق العمل مباشرة.
الباحثة في علم الاجتماع مي برقاوي أوضحت في حديثها للحرية أنه في عهد النظام البائد تراجعت المنظومة التربوية التعليمية بسبب كثير من العوامل والصعوبات والتحديات، التحدي الأول يبدأ من الشهادة الثانوية بفرعيها الأدبي والعلمي والتي يفترض أن تكون سنة دراسية تخصصية بحتة سواء علمي أو أدبي حيث المناهج تعاني من التكرار والحشو ومواد تدرس ويخصص لها الوقت والجهد بالنسبة للطالب، بعضها لا تغنيه بشيء في تخصصه كالتربية القومية والتي كانت غايتها إبراز نظام سياسي معين مثلاً، ومواد بالنهاية لا تدخل في معدلات القبول للجامعة، ونقص علامة أو علامتين لدراسة الطالب الاختصاص الذي يرغب والذي خطط له في حياته الدراسية.
مشيرة إلى أن المعايير غير الموضوعية لدخول الجامعة لأهداف السياسة التربوية تضع الطالب في دوامة الإحباط والخوف من المستقبل، وهذا أول سبب لعزوفه الدخول للجامعة أو دراسة اختصاص لا يحقق رغبته ولا مستقبله العلمي والعملي ليجد أسباباً لترك الجامعة.
والتحدي الآخر وهو الأصعب في ظل ظروف هي الأقسى على مدى عقود للوطن سوريا الصراعات والحروب التي أشعلها النظام البائد للحفاظ على بقائه والذي انعكس على الوضع الاقتصادي والاجتماعي وحرية الفكر للمواطن فلا عدالة اجتماعية ولا عدالة اقتصادية، على العكس اتسعت مساحة الفقر والحاجة، ولا حقوق في فكر إنساني حر، إضافة لذلك فإن الهجرة الداخلية شكلت عبئاً على كل مرافق الحياة مما اضطر الشباب لترك المدرسة أو الجامعة بحثاً عن لقمة العيش له ولأسرته .
وبحسب برقاوي فإن هذا الانعكاس ينطبق على المعلم وأستاذ الجامعة لجهة شعورهم بالاستنزاف والاحتراق بالعمل والتعليم مقابل دخل لا يكفي حاجاته اليومية هو وأسرته، فإما يلجأ لعمل آخر مساء أو يترك عمله وتخصصه لمزاولة أي عمل بدخل مرتفع؛ وهذا سبب في تراجع كبير للتعليم الجامعي، وتعرض أبناء الوطن للموت أو الفقد، ودمار الأسرة وغرقها في الأمراض الاجتماعية والنفسية والعقلية.
وذكرت برقاوي أن هناك تحدياً آخر وسبباً رئيسياً في ترك الشباب الجامعة هي الخدمة الإلزامية والالتحاق بالجيش والذي كان يشكل كابوساً وإرباكاً في حياة ومستقبل الشباب وخاصةً عندما ترتبط الخدمة الإلزامية بالخوف والصراع من البقاء سنوات طويلة نسبياً والاحتفاظ به كعسكري، فبعض الطلبة الجامعيين كانوا يؤجلون تخرجهم لكي لا يلتحقون بالخدمة وبعضهم الآخر كان يهرب خارج البلاد، وكانت الخدمة الإلزامية هي أبشع قانون مجحف في حقوق الشباب لجهة تقرير مصيرهم ومستقبلهم.
ونوهت برقاوي إلى أن معاناة الأسر من الاحتفاظ بأبنائها بالخدمة الالزامية وخاصةً ممن لا تتوفر فيهم شروط بدنية وصحية وعمرية وحتى عقلية، كارثية لهم و لأبنائهم كان الشغل الشاغل هو على الفساد الذي كان ينهش المجتمع والأمة وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية لهم.