الحرية – نهى علي:
تنتظر السوق المصرفية في سوريا جرعة مرونة جديدة، ستحظى بها ولا سيما البنوك التقليدية التي طالما أحسّ القائمون عليها بثغرات تقلل من قدرتهم على الحراك والاستثمار في سلّة خدمات أوسع.
ويترقب الجميع نتائج إيجابية للتعميم الذي أصدرته رئاسة مجلس الوزراء إلى المصارف التقليدية ومصارف التمويل الصغير، و(مشروع) قرار يقضي بإحداث نافذة إسلامية فيها.
ويرى خبراء في القطاع المالي أن التعميم خطوة إيجابية في أبعادها ومؤداها، نظراً لنمو التعامل المصرفي الإسلامي في أغلب دول العالم بما فيها الدول الغربية.
ويرى الخبير المصرفي أنس الفيومي أن من شأن هذه الخطوة أن تحقق نمواً جيداً وانطلاقة حديثة في السوق المصرفية السورية.
ويلفت الفيومي في تصريح خاص لصحيفة “الحريّة” إلى أن المصرف العقاري حاول سابقاً إحداث نافذة إسلامية لكنه واجه صعوبات بيروقراطية في قرارات المصرف المركزي حينذاك. مؤكداً – وهو المدير السابق في المصرف العقاري- أنه لو أتيحت الفرصة لهذا المصرف لكان رائداً في العمل المصرفي في سورية، باعتبار أن نشاطه الاستثماري جله في العقارات والمشاريع الصناعية والسياحية والخدمية، وهو ما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
الفيومي: نحو نمو جيد وانطلاقة حديثة في السوق المصرفية السورية
تأثير
ويجد الفيومي أن المصارف الإسلامية لها تأثير في السوق المصرفي باعتبار أنها أصبحت معروفة ومنتشرة وتشغل جزءاً مهماً من الكتلة النقدية المتداولة، مبيناً أنها تشهد نمواً متزايداً لأسباب يمكن شرحها باستفاضة.
شعبية وقبول
ويؤكد الفيومي أن لدى المتعاملين رغبة متزايدة للتعامل مع المصارف الإسلامية وفق أحكام الشريعة لتجنب الفائدة الربوية الممنوحة من المصارف التقليدية، لافتاً إلى أنه تم استنباط خدمات ومنتجات مصرفية من أحكام الشريعة وتطويعها لتكون منتجاً مصرفياً متميزاً يشابه في جوانب الخدمات التقليدية لكنه – كما يرى فيومي – يبتعد ابتعاداً كلياً في طريقة التطبيق والتعامل وأساسه الشرعي، ما أعطى المصارف الإسلامية مرونة أكبر سواء أثناء المنح أو المراقبة أو المتابعة، وذلك حسب تنوع المنتج، لذلك ظهرت منتجات لم يألفها التعامل التقليدي كالمرابحة والمضاربة والمشاركة والإجارة بوعد التملك والسلم والاستصناع وغيرها الكثير من المنتجات.
جاذبية
الواضح أن ميزة التنوّع في سلّة الخدمات التي تتيحها البنوك ذات منهج العمل الإسلامي، باتت جاذبة وتشكل تحدياً للبنوك التقليدية “الربوية”.
وهنا يشير الخبير الفيومي إلى أن هذا التنوع بالمنتجات المصرفية في المصارف الإسلامية منحها ميزة مقارنة بالمصارف التقليدية التي لا تتوفر لديها تلك المنتجات، ما شكل عامل جذب للمتعاملين والزبائن من شرائح مختلفة وزاد في موثوقية التعامل مع المصرف الإسلامي.
ولفت الفيومي أن تلك المنتجات المصرفية تتوافق مع تنوع الشرائح الاقتصادية وطريقة تحقيق عوائدها من المشاريع التي يرغبون في إيجاد تمويل تشغيلي لها يصب في مصلحة الزبون والمصرف ويحقق تأمين ربح شرعي غير ربوي وخاصة مع وجود محفزات الاستثمار.
تحصين
يعتبر الفيومي أن المصارف الإسلامية تكتسب قوة ومرونة عالية في أداء مهامها بسبب عدم تأثرها إلى حد ما بالأزمات المالية المحلية والدولية، وهي أيضاً تحقق نسب نجاحات كبيرة في مجال إقبال الأفراد الطبيعيين والاعتباريين، غير ذلك من أسباب دفع مصارف عديدة تقليدية منذ القرن الماضي لتغيير مفاهيمها عن التعامل الإسلامي فتأثرت بالصيرفة الإسلامية، وهذا أدى لفتح نوافذ إسلامية تمارس الصيرفة الإسلامية في عدد من المصارف التجارية الربوية، أو فتح فروع مستقلة كلياً عن المصرف الأصلي.
لدى المتعاملين رغبة متزايدة للتعامل مع المصارف الإسلامية وفق أحكام الشريعة لتجنب الفائدة الربوية
نجاحات
حققت النوافذ الإسلامية في البنوك قفزات نوعية أساسية في الاقتصاد والتنمية والاستثمار في عدد من البلدان، لأنها استطاعت جذب الأموال والمدخرات واستثمارها بأساليب التمويل الشرعي الإسلامي البعيد عن الربا.
وهذا من وجهة نظر الخبير الفيومي، أسس لوضع عدد من التعريفات لظاهرة أسلمة البنوك التقليدية أو تحويلها من المصرف الربوي إلى مصرف إسلامي يعمل وفق مبادئ وأحكام الشريعة الاسلامية، أي ما يعرف بالانتقال من وضع المصرف التقليدي المبني على سعر الفائدة، إلى المصرف الإسلامي القائم على مقاصد الشريعة الإسلامية، أو تعريف آخر يتضمن قيام المصرف الربوي بتخصيص جزء أو مكان من المصرف كي يقدم خدمات إسلامية إلى جانب ما يقدمه من خدمات تقليدية.
إدارة خاصة
يميل الفيومي إلى أن تكون هناك إدارة داخل المصرف التقليدي يتم إنشاؤها خصيصاً للعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها، من أجل تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية المختلفة وتحقيق أهداف المصرف الإسلامي، ما يستلزم في النافذة أن تكون ذات طبيعة مختلفة ومستقلة تماماً عن المصرف الأصلي، تحت رقابة هيئات شرعية مختصة وتعمل وفقاً للقوانين النافذة، بحيث يصبح المصرف متنوعاً في منتجاته بما يلائم رغبات كافة شرائح العملاء وأفراد المجتمع، واعتماد مثل هذه التجربة يمكن يتم من خلال خيارين:
الأول.. التحول الكلي للمصرف التقليدي إلى العمل المصرفي الإسلامي، وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى قرار سياسي من الدولة كما حصل في السودان وباكستان والبنك الأهلي في مصر، وقد قامت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين بإصدار المعيار الشرعي رقم 6 المتضمن “تحول المصرف التقليدي إلى مصرف إسلامي يشمل هذا المعيار مقومات تحول المصرف التقليدي إلى مصرف الإسلامي بموجب قرار للتحول الكلي الفوري من تاريخ محدد يتم إعلانه سواء كان القرار من داخل المصرف أو من خارجه وبتملكه من قبل الراغبين في تحوله والمدى الزمني لتحول وأثر التحول لطرق تلقي الأموال وكيفية توظيفها ومعالجة كامل التزامات المصرف وحقوقه قبل التحول وما قبض أو دفع وما لم يقبض أو لم يدفع وكذا لدي قبل التحول.
التنوع بالمنتجات المصرفية في المصارف الإسلامية منحها ميزة مقارنة بالمصارف التقليدية
أما الخيار الثاني فهو: حالة التحول الجزئي الذي يبدأ بتحويل فرع أو أكثر من الفروع التقليدية لتقديم المنتجات المصرفية الإسلامية فقط، أو تقديم منتج تمويلي وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، وتتميز هذه الحالة بغياب التفكير الجدي لدى إدارات البنوك التقليدية في التحول الكلي وفقاً لخطة زمنية محددة ومعلنة مسبقاً.
فتوى
يبين الفيومي أنه من الناحية الشرعية صدرت فتوى في هذا الصدد تفيد أنه لا يوجد مانع شرعي من فتح نوافذ إسلامية تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية، لأن ممارسة البنك الربوية نشاطاً مباحاً لا يدخل ضمن إطار حرمة التعامل معه، كما لا يضر كون الأموال التي ستفتح بها هذه النوافذ تم دفعها من البنك التقليدي لأن هذه الأموال تعتبر أموالاً مختلطة، فالحلال منها هي التي يمارس البنك نشاطه فيها والحرام هو الفائدة الناتجة عنه، والتعامل مع صاحب المال المختلط كما ذهب بعض الفقهاء ليس حراماً إنما يندرج تحت الكراهة التنزيهية.
أي إن الجزء الإسلامي من البنك التقليدي إن كان لا يتعامل بالربا في عملياته ولا يتأثر بالأصل فلا مانع من التعامل معه مع توفر شروط الاستثمار في الأعمال المباحة كبناء المساكن والمشاريع الصناعية والزراعية وغيرها، فالضابط المهم هنا معرفة نشاط البنك الاستثماري.
صعوبات
ما سبق يقود للسؤال الأهم وهو: هل المصارف العامة في سوريا…التجاري والصناعي والعقارية والزراعي والتسليف الشعبي والتوفير.. قادرة على البدء بتطبيق هذا المقترح؟
يرى الخبير أنس الفيومي أن هناك مصاعب عديدة ستعترض هذا المشروع رغم أهميته.
أولها.. الإطار القانوني إذ تحتاج المصارف إلى إدراج تعديل في مراسيم أحداثها أو النظام الأساسي لها أو أن يصدر قانوناً خاصاً يشملها جميعاً، ولعل المصرف العقاري هو المصرف الوحيد الذي تنبه لهذا الموضوع منذ عام ٢٠٠٥ وأدرج في نظام عملياته إحداث مديرية خاصة للتعامل المصرفي الإسلامي، لكن لم يكتب لهذه المديرية التأسيس وبدء العمل نظراً لاعتراض المركزي فيما بعد تصديق نظام العمليات على هذا التعامل، رغم أهميته دون ذكر أسباب مقنعة أو مناقشة المصرف بالأسباب الموجبة ومؤيدات إحداث المديرية.
أما ثاني الصعوبات فتتعلق بالجانب التقني، أي إن البرمجيات التي يعتمد عليها المصرف الإسلامي تختلف من حيث الآلية والضوابط عن البرامج المصرفية المعتمدة لدى المصارف العامة حالياً، وتحتاج إلى إضافات أو تعديلات أو برمجيات مستقلة حتى تتمكن من العمل بطريقة النوافذ، وأيضاً تستثني المصرف العقاري فوفقاً لآخر تعديل برمجي لديه يوجد كما علمنا إمكانية إدراج التعاملات الإسلامية في نافذة مستقلة ضمن برنامجه.
وثالث الصعوبات التي يراها الفيومي.. هي عدم وجود مقرات تساعد على البدء بهذا المشروع، سواء كانت الرغبة بإحداث مقرات جديدة كلياً أو نوافذ خاصة ضمن الفروع العاملة حالياً، مع الميل لوجود مقرات مستقلة، ما يعطي عامل الموثوقية بالتعامل لدى زبائن المصرف، بينما النوافذ توجد حالة ارتباك وطرح فكرة اختلاط المال المرفوضة من الناحية الشرعية.
ولحل هذه المعضلة يرى الخبير أنه يمكن اللجوء لعملية دمج المصارف وإعادة فرزها بين المصارف التي لديها فروع مصارف عديدة ومصارف لديها الجانب التقني والإمكانات الإدارية مدمج المصرف العقاري مع التوفير والزراعي مع التسليف والصناعي مع التجاري.
ورابع الصعوبات.. ترتبط بالكفاءات والخبرات التي تكاد تكون معدومة في المصارف العامة وتحتاج لإعادة تأهيل وتدريب وفتح ملاك واستقطاب الخبرات وايجاد محفزات للعاملين.
على الرغم من كل ما سبق، يرى الخبير الفيومي أن ثمة نقطة إيجابية بالنسبة لوضع المصارف التقليدية العامة، تتمثل بوجود مصارف عاملة تتفق مع أحكام الشريعة في مسمياتها كالعقاري والصناعي والزراعي، لكنها تحتاج إلى تنظيم أسس التعامل بالطريق الإسلامية مع مسمياتها في إجراء تعديلات جوهرية بأساليب المنح والتعامل والتعليمات التطبيقية بما يتوافق مع أحكام الشرع ضمن الغايات التي أحدثت فيها المصارف.
في الاتجاه الصح
على العموم يعتبر الفيومي أن هذا التوجه من الحكومة توجه إيجابي، نظراً لنمو التعامل المصرفي الإسلامي في أغلب دول العالم بما فيها الدول الغربية، ويحقق نمواً جيداً وانطلاقة مصرفية حديثة، ورغم أن المصرف العقاري حاول سابقاً في هذا الموضوع لكنه واجه صعوبات البيروقراطية في قرارات المركزي حينذاك، وفيما لو أتيحت له الفرصة لكان رائداً في العمل المصرفي في سورية باعتبار أن نشاطه الاستثماري جله في العقارات والمشاريع الصناعية والسياحية والخدمية وهو ما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية.