الحرية- جواد ديوب:
تعدّ ثاني إذاعة تأسست في العالم العربي بعد “صوت العرب” من “القاهرة” ، احتفظت بمكانتها واتزانها وبرامجها ومسلسلاتها التي تركت بصمة لا تنسى في تاريخ العمل الإذاعي السوري والعربي، مثل: مسلسل “يوميات عائلية” بطولة الفنانة وفاء موصللي والراحل عصام عبه جي، مسلسل “حُكمُ العدالة” بطولة نخبة من فناني سورية، مسلسل” ظواهر مدهشة” تأليف الدكتور طالب عمران، برنامج “مسابقات على الهواء” لطالب يعقوب، وبرنامج “حكواتي الفن” الذي أعدّه وقدّمه “فنان الشعب” الراحل رفيق سبيعي.
وكان من أعلامها الراحل الأمير يحيى الشهابي المشارك في تأسيسها وأول من أطلق “شرارة” البث بقوله: “هنا دمشق” عام 1947.
هي “إذاعة دمشق” التي اشتهر عبر أثيرها أساطينُ الغناء والطرب في الوطن العربي كالسيدة فيروز، وعبد الحليم حافظ، وفايزة أحمد…وغيرهم.
في اليوم العالمي للإذاعة!
لذلك كله، وبمناسبة “اليوم العالمي للإذاعة” الذي مررنا به مؤخراً، توجهنا إلى المذيعة المخضرمة في “إذاعة دمشق” الفنانة ثراء دبسي والتي خصّت جريدة “الحرية” برأيها رداً على سؤالنا:
* أنه في زمن السوشال ميديا نرى الكثير من الإذاعات قد تحولت نحو البث السمعي البصري، أي إن المتلقي بات (يرى أولاً ثم يسمع تالياً) بعد أن كان الخيالُ “يُمسرِحُ” له شكلَ المذيعة والمذيع أو أجواء الدراما الإذاعية وحتى مجريات نشرات الأخبار… إذاً كم تعتقدين أن الإذاعات خسرت أو ربحت بهذه التقانة الجديدة؟
تقول:
**” أعتقد أنه مهما مرّ على الإذاعة من اختراعات تحاول منافستها؛ إلا أن لها خصوصيتها أو بصمتها الخاصة بالنسبة للمتلقين الذين لا يهتمون كثيراً بالمرئيات أو أولئك المشتغلين في مهن لا يتمكنون وهم بعملون بها من مشاهدة الصورة مثل سائقي التكسي أو عمال المصانع. كذلك أستدلُّ على أن للإذاعة كينونتها وخاصيتها الجمالية المتعلقة بها وحدها وأن لها مستمعيها، عندما تصلني شخصياً رسائلُ إعجاب ببرامجي من مستمعين عرب من تونس والمغرب أو مغتربين في كندا وأوروبا…وبالتالي أعتقد أن عالم السوشال ميديا لم يستطع حتى الآن انتزاع أهمية وجود الإذاعات في حياة البشر.
موجاتُ تشويه!
المذيعة دبسي ،والتي دخلت كممثلة للإذاعة السورية، ثم تحولت إلى مقدمةِ برامج إذاعية تلفزيونية معاَ، منها (ليالي الشام) مع المخرج الراحل محمد صالحية، وبرنامج مسرحي إذاعي تلفزيوني اسمه (أضواء المسرح) إخراج الفنان نذير عقيل وتقديمهما معاً، تعبّر عن أسفها لأحوال بعض الإذاعات بقولها:
“إن المحتوى أمرٌ مهم جداً للبرامج الإذاعية التي تحترمُ وجودَها ذاته… اليوم نجد أن هناك تشابهاَ وشبه استنساخ للبرامج عبر صفحات مذيعين يعتقدون أنهم يقدمون “الدارج” والمطلوبَ من قبل الجمهور، وهذا يقودنا لموضوع اللغة العربية التي أجد أنها تتعرض لموجات تشويه حتى من قبل بعض الفنانين والمثقفين والشعراء والصحفيين الذين يقعون في أخطاء لغوية غير مقبولة… وهذا أخطر ما في الأمر!”
استثمار تجاري!
نحيل السؤال عن أهمية اللغة العربية الفصحى للمذيعة في “إذاعة دمشق” منار مراد (والتي منذ عشرين عاماً حاورت وقدمت وحررت عشرات البرامج وأكثر من ثلاثة آلاف تعليق صوتي لأهم منصات الكتب الصوتية وعملت مدربة في مجال التعليق الصوتي، وكانت مراسلة cnbc المصرية والاقتصادية)، فتقول لجريدة (الحرية):
“للأسف لقد اشتُغِلَ على تدميرها من خلال إدخال اللهجات العامية التي بدأت مع الإذاعات اللبنانية، والتي رغم أنها لهجات لطيفة ومحببة، إلا أن بعض الإذاعات انجرّت نحو تلك اللهجات معتقدة أن هذا هو الرائج والأقرب للناس بدلاً من أن تكون منابر ثقافية ترفع من ذائقة المتلقين، وتحسّن علاقة الإنسان بلغته.. تصور أننا أصبحنا في زمن يُرفضُ فيه من يجيدُ اللغة العربية الفصحى باعتباره “دقة قديمة” أو أن هذا “أسلوب إذاعة دمشق ولا نريده” ويتعاملون معه باستعلاء! والسبب برأيي هو أن بعض مالكي تلك القنوات هم تجار يهتمون بالمردود المالي دون الاهتمام الحقيقي بالرسالة الثقافية، ورفع مستوى الذوق العام، أما إذاعة دمشق فهي محطة ناطقة باسم الدولة غير ربحية وتهتم بقضايا الناس ولا تقدم إعلانات تجارية… لذاك ظلت مهتمة بجودة أداء مذيعيها بالفصحى بطريقة راقية”!.
ملامسةُ شغافِ القلب!
*وماذا عن المحتوى الذي يفترض تقديمه عبر أثير الإذاعات؟
**”بعضُ الإذاعات تمتلك عراقةً وهي بمثابة إرواء لجمهور متعطش للمعرفة والمتعة، مثل برامج (المسرح إذا روى) وهو مشروعي الخاص في إذاعة دمشق -بحسب الفنانة دبسي- وأيضاً من مواصفات عراقة الإذاعات هو أنها تحافظ على توقيت بث تلك البرامج القيمة وعلى الأشخاص أنفسهم (المذيعين والفنانين والمخرجين) بعكس برامج “البودكاست” الحالية وبعض صفحات الإنترنت التي تلهث خلف “التريند” والآنية والشهرة؛ أقصد شهرة النجم الفلاني والمذيع الفلاني مع إهمال القيمة الجمالية والمعرفية لمضمون البرامج والتي لم تراعِ حاجةَ الناس وشغفهم بمواضيع تمسهم وتمس جوهرَ وجودهم. إذاَ المحتوى أمر مهم جداَ سواء للإذاعات تقليدية البث او تلك المعتمدة على حضور السوشال ميديا؛ كيلا يصاب المتلقي بالضجر والملل، وكي تستطيع تلك البرامج ملامسة شغاف القلب.”
نوعٌ من التكريم!
نعودُ إلى المذيعة منار مراد لتحدثنا عن رأيها بزمن التقنيات الرقمية وتأثيراتها على شكل وجود البث الإذاعي فتقول:
” الإذاعة لم تتضرر بوجود منصات السوشال ميديا لأن جمهور الإذاعة ظل وفياً لها ويستمع لها مهما تغير الزمن، بل على العكس استفادت منها للوصول أكثر بالنسبة للناس الذين لا تصلهم موجاتُ البث الإذاعي ولكن قد تصلهُم شبكةُ الإنترنت مثلاً، لكن حتى مع وجود الصورة والتقنيات الرقمية على الإذاعات أن تهتم بمضمون النص وشكله الإذاعي… كما إنه من الجميل معرفةُ شكل المذيع الذي طالما استمعنا له وظل (مختبئاً) خلف المايكروفون كل تلك المدة، وهذا برأيي نوعٌ من التكريم الجميل للمذيعين، بشرط ألا تنجر تلك القنوات الإذاعية خلف عمل المنصات الشعبوية غير المدروسة، وأن تبقى مسيطرة على شروط وأساسيات العمل الإذاعي الراقي.”
برتبة ممتاز!
وتختمُ المذيعة مراد حديثها لجريدة “الحرية” بنصيحة للإعلاميين الشباب، تقول:
“الكثير ممن يعملون اليوم في الإعلام من الشباب والشابات لا يعلمون ان الأمر غير مقتصر على برنامج على الهواء، وظهور سريع على صفحات السوشال ميديا، بل إن رزقهم وآفاق عملهم ستتوسع نحو تسجيل برامج وثائقية وكتب صوتية وقراءة نشرات الأخبار ومحاورة ضيوف متنوعين… وكلها يجب أن تكون مشروطة بلغة عربية فصحى برتبة ممتاز”.