الحرية- أحمد عساف:
منذ الصفحة الأولى يُعلِمنا الروائي رعد الحلي أنّ (رواية إرث الأفعى مستوحاة من أحداث حقيقية، باختلاف الأسماء والأماكن). وهذه ليست مجرد تقنية للتمويه، بل فن إضافي يحول الواقع المحدد إلى نموذج عام ما يجعل القارئ يشتبك مع الرواية بشكل فكري مجرد وليس كرواية واقعية فحسب.
لم تكن الرواية الأولى التي أقرأها للروائي رعد الحلي (طبيب الأطفال. المقيم في أثينا- اليونان)، أما عنوانها فليس مجرد عتبة دالة للدخول إلى هذا النص السردي، بل عنوان ملتبس وفيه من الإيحاء الرمزي الكثير. (الأفعى) ليست من الزواحف فقط، بل رمز مرن يمكن أن يعني: السلطة المفسدة. الشخص الخائن والخطير. الشر الكامن في النفس البشرية. الإرث الثقيل والسام الذي تورثه الأجيال، الجشع الذي يسيطر على السلوك البشري . منذ البداية يضعنا الروائي رعد الحلي، أمام باب يفضي إلى الأحداث الروائية وتسلسلها.
شخصيات وأحداث
منذ الصفحات الأولى، يبدأ المشهد بموت التاجر حجي شبوط. الذي لا يحضر مراسم دفنه سوى أربعة أشخاص. ابنه توفيق (الطالب الجامعي) وصديق طفولته عماد، وولده. والحاج سالم جار الحاج شموط في السوق.
والد توفيق كان بخيلاً بمشاعره وبكل شيء. تزوج زواجاً تقليدياً من فتاة تصغره بـ15سنة، السيدة بدرية امرأة خجولة وطيبة، انجبت له توفيق و شقيقته فاطمة المريضة بمتلازمة داوون. فيما بعد ومع تسلسل السرد الروائي، نجد أن الحاج شبوط من أثرى الأثرياء، وكان أبخل البخلاء على نفسه وعلى عائلته، حتى بمشاعره وعواطفه. لنجد أنفسنا أمام شخصيات من لحم ودم ألبسها الروائي لبوساً يتماهى مع دورها في هذا المسرود.
شكل ومضمون
نجح الروائي رعد الحلي، في الاشتغال على الالتزام بقضية المضمون السردي لروايته والتماهي بالعلاقة بين الجانب الفني الشكل والمضمون، هذه العلاقة أشبه بعلاقة الروح بـالجسد في العمل الروائي.
المضمون القضية يمثل الروح والفكرة الأساسية، بينما الشكل الفني هو الجسد الذي يحمل هذه الروح ويقدمها للعالم. وهذا التوازن بين الفنية والالتزام هو ما يميز الروايات العظيمة. وعبر الإسقاطات على عائلة التاجر الحاج شبوط، وابنه توفيق، الذي تتغير طباعه ويصيبه الطمع من خلال تجاراته مع (أبو هادي) ومدير المصرف. الذي يفاجأ توفيق حين يعلمه أنّ والده متزوج من زوجة ثانية و لديه أخ من أبيه سيقاسمه الورثة.
ويتساءل الروائي ضمن فصل (إرث الأفعى) الذي يحمل عنوان الرواية: “وهل للأفعى من إرث غير بيضها وسمها”؟ ص 125. سنجد من المداليل: السلطة، الخيانة، النبل في مواطن الظلام. هي قضايا إنسانية يمكن أن تحدث في أي مجتمع، ما يوسع من قاعدة التلقي. وكعادته التي أحبها في الكثير من رواياته التي قرأتها، يمارس الروائي رعد الحلي. أسلوبه المتميز في القبض على قارئه متلبساً بمتعة قراءته حتى آخر كلمة في روايته.
أصوات وعنوانات:
نجح الروائي في خلق أصوات لرواة متعددين بضمائر مختلفة يقدمون وجهات نظر متمايزة، ويثرون السرد، عبر حوارات درامية تكشف الأعماق النفسية للشخصيات.
وبالتالي نستدل من تكثيف الأحداث في الرواية على سعيها لتحقيق هذا الانصهار، عبر صياغة فنية مبدعة تخلق عالمًا روائيًا خاصًا.
أما العنوانات مثل جرعات من طمع، صحوة ضمير، جناح الأمل، ندى العشق، سفرة إلى العشق، بيروت، فليست عناوين تزيينية بل جزء من البنية الدلالية للعمل الروائي، أما استخدام اللغة المجازية والشاعرية في العناوين فقد خلق إيحاءات أعمق، وساعد في تقريب الرواية من القراء.
رواية إرث الأفعى تمثل نموذجًا للرواية العربية التي تزاوج بين الالتزام بقضايا المجتمع والبحث عن أشكال فنية جديدة. استخدام الرمزية من خلال العناوين والشخصيات يثري النص ويحميه من التبسيط، مع الحفاظ على قدرته النقدية. وهذه الرواية تسهم في تطوير السرد الروائي الذي يحاول فهم تعقيدات المرحلة وتداعياتها على الإنسان والمجتمع.
من الجدير ذكره أنّ الرواية صادرة عن دار أمل الجديدة للنشر في دمشق تقع الرواية في 314 صفحة وتضم (27) فصلاً.