الحرية: هويدا محمد مصطفى:
يعدّ الأدب النسوي أبرز الظواهر الأدبية التي جاءت بين مؤيد ومعارض، فعرف الأدب النسوي بأنه نوع من الأدب منصته تسليط الضوء على قضايا المرأة التي تواجهها في مختلف المجتمعات لتكون وسيلة فعّالة للتعبير عن التحديات التي فرضها المجتمع في ظل هيمنة الثقافة الذكورية، فقد شهد الأدب النسوي تطوراً كبيراً على مر التاريخ عندما بدأت المرأة تكتب الشعر والقصة والرواية وكشفت قدرتها على التعبير عن ذاتها وسرد تجاربها وتحدياتها وآمالها من خلال وجودها في المشهد الأدبي ولتسليط الضوء على أهمية الأدب النسوي أجرينا هذا الاستطلاع..
_الأدب النسوي أثار ضجة كبيرة بين مؤيد لهذه التسمية ومعارض لها هكذا يقول الأديب منذر عيسى: لا بدّ من الإشارة أولاً إلى أن الأدب النسوي هو ذلك الفرع من فروع الأدب الذي يعالج قضايا المرأة التحررية التي ترفض الظلم الاجتماعي، وقد يقصد به أدب وإبداع تكتبه المرأة.
ويتبادر سؤال: هل يمكن أن نميز بين أدب تبدعه المرأة، وآخر يبدعه قلم الرجل ؟!.
كما لا بدّ لنا من تتبع ظهور الأدب النسوي، حيث كانت بدايته في العالم الغربي، وحديثاً في القرن العشرين، وقد أثار إشكالية حتى لدى الأديبات من خلال رفضهن تصنيف ما يبدعن من شعر، وسرد بالأدب النسوي .
مع ذلك لا بدّ من تعريف الأدب بشكل عام بالقول: إنه التعبير والإنشاء، وهو خلاصة التجارب الإنسانية المزركشة بالألفاظ، والمزدانة بجلال المعاني، ويتم إبراز العاطفة من خلال السياق، وبالنسبة لنا هو المكتوب باللغة العربية، وأذكر هنا بشقي الأدب، وهما الشعر والنثر، وقد وصف” الفراهيدي” الشعراء بأمراء الكلام .
وقد ذكر مؤرخو الأدب بأن تاريخ ظهوره يعود إلى خمسة وعشرين قرناً، وفي تراثنا يأتي أصل كلمة ” أدب ” من مأدبة، وهي طعام يدعى إليه الناس، وبعد دعوة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام؛ تحول المقصود بكلمة أدب الى مكارم الأخلاق؛ حيث جاء في الحديث النبوي ( أدبني ربي فأحسن تأديبي “، وتطور المفهوم في العصر الأموي إلى التعليم؛ فالمعلم مؤدب .
حاولت المرأة من خلال محاولة الكتابة الخروج من القوقعة، والتمرد على الظروف المحيطة بها، ومحاولةً منها لإثبات ذاتها، والحفاظ على كرامتها، ورفع الظلم الذي لحق بها.
إن ما تبدعه المرأة يشكل نوعاً من الإغراء يسهم في تقبله إبداعاً، ومن ناحية تطبيق النقد على محتواه، وأشير هنا إلى أنّ استخدام مصطلح الأدب النسوي في النقد أثار ضجة كبيرة بين مؤيد لهذه التسمية ومعارض لها، ويعود الخلاف إلى تباين في وجهات النظر إلى هذا اللون الإبداعي ومضمونه.
شخصياً أنا أرى أنه يكفي أن يكون النص الإبداعي مرتبطاً بطرح قضية المرأة، والدفاع عن حقوقها، من دون ارتباط بكون الكاتب امرأة، بتعبير آخر يمكن تصنيف كتابات رجال يدافعون عن قضايا المرأة بالأدب النسوي.
وأضيف في هذا السياق سؤال قفز إلى ذهني : هل أحد منّا، وهو يقرأ منتجاً أدبياً تساءل بينه وبين نفسه هل الكاتب رجلٌ أم إمراة؟!
أعتقد أن ذلك لم يحصل، وخصوصاً عندما يأخذك العمل في جوانبه بعيداً، ويخلق نوعاً من المتعة والإثارة، والمعرفة.
الخلاصة هناك أدب نسوي، ولكن لا ضرورة للتأكيد نقدياً على هذا المصطلح فالأدب والإبداع واحدّ سواء كتبه رجل أو أبدعته امرأة .
يثير تساؤلات كثيرة
_مصطلح النسوية مازال يثير تساؤلات كثيرة هكذا عبرت الشاعرة أحلام غانم عن رأيها بالسؤال الذي يضع الأديب أمام علاقة ثنائية تنافرية شبيهة بالصراع الأزلي بين الذات والآخر، وبين سندان المتلقي ومِطرقة الناقد وكلاهما مرّ .. ومع كل هذا لابدّ من القول:
– يصرّ بعض الكتّاب والنقّاد على أن يكون هناك ما يسمى الأدب النسائي، إلّا أنه في حقيقة الأمر، لا يمكن تجزئة الأدب إلى نسائي ورجالي ..
أعتقد أنه ينبغي التفريق أولاً بين النسائي والنسوي، فنحن نقول إن هذه الشركة نسائية عندما يكون كلّ العاملين فيها نساء، وعندما نقول نسوي فهذا يعني أنه يوجد توجه ما، إذ ليس كل ما هو نسائي نسوياً..
لذلك ينبغي بعيداً عن تأنيث المفردة أو تأنيث النص، وبلاغة الكلمة ،وقبل الدخول إلى خصائص التصنيفات المتحركة؛ يجب أن نحدد معيار التصنيف, أن نقول أدباً نسائياً هل هو تعبير معياره الأسلوب؟ أم الإبداع أم انتقائية المواضيع أم خصائص تبرز في الكتابة النسوية تجعلها مختلفة عن الأدب الذكوري أو الرجالي أو الآخر مهما كان؟
يبدو لنا أن مصطلح النسوية مازال يثير تساؤلات كثيرة، منها : هل هناك خصوصية في الخطاب النسوي؟ هل يعني استخدامه تمييزاً مطلقاً بين أدب ذكوري وأدب أنثوي؟
لن أدخل هنا في متاهة سؤال: هل يوجد هناك أدب نسائي وأدب رجالي؟
لا توجد كتابة تنشأ من لا شيء؛ فالإبداع يتكوّن نتيجة مطلب ضروري لحسم تناقض ما والتنافس يجب أن يكون على القيمة وليس على الشكل .
فالأمر غائم ومخلوط ومتداخل، وهذا الخلط وهذه الضبابية مقصودان لتهميش جزء مهم من أسرة التكوين الثقافي ؛ كي لا يصبح للأدب ولا للأديب مهمة واضحة، وكي لا يشعر الناس بالحاجة إلى وجود المبدع ويشغلهم تنافس التجنيس بعيدا عن التكامل.
إنَّ سر الفنون الجميلة مسألة أعمق وأسمى من أن يلفها تجنيس الكتابة؛ برأيي هناك مدارس أدبية في العالم، وبين تلك المدارس لا توجد مدرسة تدعى الأدب النسائي، وبالتالي يصنف الأدب الذي تكتبه المرأة في مدرسة من هذه المدارس الأدبية التي يشترك فيها النساء والرجال على حدّ سواء.
رغم أن هذا المصطلح يثير الحساسية والجدل عند فئة معينة ، مع أن المقصود من استخدام النسوية التعرف على الإبداع الذي تكتبه المرأة، وتلمّس مدى خصوصيته .
لذلك يجب الأخذ بالحسبان ،لا يُقصد من استخدام هذا المصطلح الإشادة بتفوق جنس على جنس أو عزل الإبداع النسوي عن الإبداع الذكوري، وإنما الانطلاق من حقيقة الإبداع لا بدّ أن يكون من نبض المعاناة الخاصة أولاً ثم يكسوه الفنان حلة عامة.
فهدم ما كان سائداً من أفكار ، أصبح ضرورة تتلاقح فيها مجموعة من الرؤى على أنها نماذج لعصرنة القصيدة النسوية ، وبث روح التفاؤل فيها.
ولا شك أن هذه المعاناة تتجلى عبر جماليات اللغة التي يمتزج فيها الفكر والشعور والتخيل، فيتجلى عبرها الشكل الفني، عندئذ على سبيل المثال لا الحصر نستطيع أن نلمس جماليات خاصة للرواية النسوية التي لخصتها بريجيت لوغار عبر أربعة محاور : “الجنس- إدراك الجسد-التجربة الحياتية-اللغة”.
وعليه، كما تنقسم كل ثمرة إلى قشرة ونواة، كذلك ينقسم العمل الأدبيُّ إلى شكلٍ ومضمون ، الشكل هو الوعاء ، والمضمون هو ما في داخل الوعاء .. الشكل هو وسائل تجسيد الفكرة ، لأن الفكر هو المضمون , ولقد كانت وظيفة الأدب وما زالت المساهمة في تكوين جمال العالم الروحي للناس ، وتصعيد ميولهم الإنسانية، ودوافعهم النبيلة ، لأن الإنسان هو المادة الأساسية للأدب، وكل ما هو موجود في الحياة هو في خدمة الإنسان .
_الأدب النسوي .. حضور متجدد
ويضيف الشاعر والناقد نصير الشيخ من العراق بأن المرأة حضور دائم في التاريخ عبر شراكة دائمة غير منفصلة مع الرجل، وتشير الوقائع لهذا الحضور ممثلة بالشاعرة الرافدينية ( إنخيدوانا) وكتابتها للشعر منذ أقدم اللوائح الطينية. وكذلك الفيلسوفة ( هيباتيا) وتحديها للسلطات الدينية والسياسية في عصرها، منتصرة لأفكارها وإثبات وجودها.
ولأن التاريخ حاضرة صراع دائم وتحولات في الأزمنة، نال من المرأة الشيء الكثير على مستوى النظر إليها، ومحاولة انتهاك إرادتها وتحجيم وجودها الشخصي، بغية صعود المد الذكوري بصيغته المتسلطة. وجاء عصر التنوير ومن ثم عصر التقدم العلمي، لتفتح المرأة كوة في ظلام محيطها، متزامنة مع ولاداتٍ جديدة ضمنت حرية المرأة ونزولها إلى العمل، ومن ثم الإسراع في خطا حثيثة لتحقيق وجودها الشخصي والفعلي في المجتمع.
من هنا برز الدور الأهم للمرأة العربية في عالم الأدب وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وفي أوربا بدأت طلائع التحديث، حيث الانفتاح الثقافي وبروز التجمعات الأدبية وانتشار الصحافة الورقية ووو …وفي عالمنا العربي أخذت المرأة دورها في التثقيف وممارسة الكتابة الأدبية وبما توافر من تعليم ودرس أكاديمي لهن..
ومسحاً شاملاً لطوبوغرافيا المشهد الثقافي العربي، نتحصل على أمثلة جادة في حقل الأدب من الكاتبات العربيات في حقول الشعر والقصة والرواية، كأجناس أدبية مهيمنة، وجدت المرأة فيها مساحة بوح وتعبير عالٍ بصيغته الإنسانية، ومن ثم فهمها لتحولات الأزمنة والمتغيرات الاجتماعية ،وجعلت من أبطال قصصها وراويتها رموزاً لما تفرزه المجتمعات العربية وبالتالي كتابة موقفها من هذه التحولات، منطلقة من ذات حالمة وهذه من صفات المرأة ككائن أنثوي حينما يلامس الأشياء ويعطيها صبغة عاطفية تديم زخم شعورنا بالحياة التي نريد.
كل هذا في محاولة إثبات الذات والبحث المستمر عن أفاق جديدة للحرية والتأسيس لأدب يتنفس حريته على امتداد الأوطان.
وشهدت ستينيات القرن العشرين الماضي، والعقود التي تلتها حضوراً إبداعياً للمرأة العربية الكاتبة، وأكاد أجزم أن المساحة الجغرافية المحصورة بين ( العراق وسوريا ولبنان) شكلت مساحة خصبة لهذا الحضور شعراً وسرداً ونقداً…من هنا لابدّ من تأشير حضور الكاتبات العراقيات في مجال السرد ( قصة ورواية) خلال العقود الأخيرة، وبمنجزٍ متقدم جداً، وبما حمل من طروحات وأفكار ومعالجات اتسمت بجديتها مع عمق رصد الظواهر المجتمعية وتحليلها وتقديم نماذج لشخصيات روائية حملت أفكار عصرها وموقفها من السياسة والمجتمع والأعراف والتقاليد.ما ممكن المرأة العربية الكاتبة وبالمجمل من الحصول على الجوائز العربية في حقل الرواية مثلاً كجائزة ( البوكر) العربية…
إذن…هناك أدب نسوي عربي بصبغة خاصة فيه ملامح المجتمع العربي وقضاياه، وفيه اللمسات العاطفية المنطلقة من ذات المرأة وجماليتها الخاصة، وهناك التجارب الشابة النسوية في حقل الكتابة وخاصة الروائية وبما يبشر بولادات جديدة تؤكد حضور المرأة العربية أهمية وجودها في الحقل الثقافي.
_مفهوم الأدب لاينشطر إلى نصفين وحسب رأي الإعلامي و الشاعر العراقي عدنان ريكاني بقوله: مفهوم الأدب النسوي أو مصطلح الأدب النسوي لم يستخدم إلّا في المراحل المتأخرة أو في العصر الحديث فالأدب وما يحتويه غير مختص بفئة من دون فئة أخرى، لو رجعنا إلى حقبة ظهور الأدب وفروعه اعتمدت على خصائص الموضوع الذي يكتب فيه النص فربما يكون النص وأغراضه حماسية أو عاطفية رومانسية أو رثاء و إلى آخره من هذه الأغراض الشعرية وكانت في العصر الجاهلي حكراً على الرجل لكن تطور الأحداث فتحت المجال لتطور الأدب حتى بلغت ذروتها في العصر العباسي أو ما يسمى العصر الذهبي للأدب ، حيث تكورت أغراض الأدب وقفزت قفزة نوعية بأغراصها الشعرية ومنه تغنّي الرجل بالمرأة أو ما يسمى الغزل حيث ظهر شعر تغني المرأة بالرجل و التغزل بالمقابل.. هذه كانت بداية ظهور للأدب مخالف لأغراضه القديمة وهذا ما سماه بعض الأدباء بالأدب النسوي في العصر الحديث وفي رأيي المتواضع الأدب لا ينقسم كمفهومه العام فهو يحتوي الرجال والنساء بما يطرحه من فكر أدبي ولكن كلٌّ بطريقته الخاصة به .. ومن ناحية أهمية هذا الأدب فلا شك دخول المرأة في هذا المجال وطرح ما بداخلها من إحساس و شعور و فكرة أنها أعطيت أهمية كبيرة للأدب وأضافت له روحاً أخرى من خلال مشاركتها بتجربتها الحرة و الحرية بطاقتها الإيجابية والإنسانية للواقع الذي نعيشه وكان للأدب جناح آخر يستقيم به طيرانه وتحليقه بشكل أفضل وأسهل للوصول إلى قلب وفكر وذهن القارئ والمتلقي الذي يتحرى دائماً الأفضل و الجديد ليغذي به روحه .
وقد تصدرت المرأة في أغلب المجالات و لاسيما الأدب والفكر الأدبي وتخطت تلك العقبات التي وضعها المجتمع أمامها لتكون رائدة للفكر وتثبت شخصيتها فيها بجدارة و بإخلاص تام ، لتقول لسان حالها نحن القوة الناعمة التي رصدت الهدف بديمومة الحياة والاستمرارية ولا نكترث بهذه العوائق ، فالمادة التي تطرحها المرأة- وفق حساباتي- المرأة تقدمت على الرجل بشكل كبير وجعلت المسافة بينها وبين شريكها كبيرة جداً
وهذا شيء رائع جداً وأبارك لهن هذه الخطوة الراقية ..