إصلاح الكهرباء بين الحاجة والجدل.. د.عربش: خطوة ضرورية إذا ترافقَت مع خطة عادلة وحماية اجتماعية واسعة

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية ـ ماجد مخيبر:

في ظل التحديات المتراكمة التي تواجه قطاع الكهرباء في سوريا، يأتي تعديل تعرفة الكهرباء كخطوة أولى في مسارٍ طويل نحو الإصلاح المنشود، يدرك الجميع حجم الصعوبات التي أثقلت كاهل المواطن خلال السنوات الماضية. ومع ذلك فإن الإبقاء على النهج السابق لم يعد ممكنًا، لما يحمله من آثار كارثية على استمرارية المنظومة وقدرتها على تلبية أبسط احتياجات الناس، فالتراجع في الإنتاج وازدياد الفاقد الفني والتجاري كانا ينذران بانهيار كامل لمنظومة الكهرباء ما لم يتم التحرك بحكمة ومسؤولية.

من هنا، يؤكد وزير الطاقة المهندس محمد البشير، في تصريحاته، أن تعديل التعرفة ليس غاية بحد ذاته، بل هو مقدمة لعملية إصلاح شاملة تهدف إلى رفع كفاءة القطاع وتعزيز استدامته؛ وسيتبع هذا الإجراء خطوات عملية تشمل زيادة القدرة الإنتاجية عبر مشاريع توليد جديدة، وتركيب عدادات ذكية لضبط الاستهلاك وتحسين التحصيل، إضافةً إلى تطوير شبكات النقل والتوزيع. هذه الإجراءات، مجتمعة، تمهد لتحسين جودة الخدمة واستقرار التغذية الكهربائية، بما ينعكس إيجاباً على حياة المواطنين ويدعم مسار التعافي الاقتصادي.
ومع أن التغيير قد يثير بعض المخاوف أو مشاعر الاستياء في البداية، إلا أن النظرة المتأنية تكشف أن هذه الخطوات تمثل تحولًا ضروريًا لإنقاذ قطاع حيوي، وضمان مستقبلٍ أكثر استقرارًا وعدالة في توزيع الطاقة والخدمة على الجميع.

الإصلاح ممكن إذا ترافقت الخطوة مع سياسات عادلة وحماية اجتماعية حقيقية

المستشار في شؤون الطاقة والاقتصاد د. زياد أيوب عربش في بداية حديثه لـ”الحرية” نوه  بأن رفع أسعار الكهرباء يمكن أن يكون خطوة إيجابية وضرورية إذا ما ترافق مع خطة اقتصادية واضحة، وسياسات حماية اجتماعية موسعة، وإجراءات عاجلة للحد من التضخم. موضحاً أن القرار سيكون فاعلًا فقط إذا تم توجيه عائدات رفع الأسعار نحو تطوير البنية التحتية للطاقة وتحسين كفاءة المنظومة، مشيرًا إلى أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من معالجة الخلل الفني والإداري وليس فقط من تعديل الأسعار.

وأضاف د. عربش أن البلاد بحاجة إلى سياسة طاقوية متكاملة توحّد الرؤية بين قطاعي الاقتصاد والطاقة، لتفادي ارتباك القرارات وتحقيق توازن بين الكلفة الاقتصادية وحق المواطن في طاقة ميسّرة ومستقرة.

لماذا الآن؟

يقول د. زياد عربش إن قرار رفع الأسعار جاء نتيجة تراكم طويل في الخسائر التي تعاني منها منظومة الكهرباء، بسبب قدم المحطات ونقص الوقود وارتفاع الفاقد الفني والتجاري.
ويضيف بأن استمرار الدعم الشامل لم يعد ممكنًا، ما جعل الحكومة ترى أن رفع الأسعار هو مدخل ضروري لاستعادة الاستدامة المالية وتمويل مشاريع توليد جديدة وتطوير الشبكة الكهربائية. لكنه يلفت إلى أن النجاح يتوقف على مرافقة القرار بإصلاحات تنظيمية وهيكلية جادة تضمن العدالة الاجتماعية والشفافية في الإنفاق.

الزيادة المفاجئة

وحول الزيادة الأخيرة في أسعار الكهرباء يرى الخبير الاقتصادي أن حجم الزيادة الكبير في الأسعار اعتمد أسلوب “الصدمة”، وهو ما اعتبره خيارًا محفوفًا بالمخاطر.
ويشير إلى أن الهدف الحكومي كان تقريب السعر من التكلفة الحقيقية للكهرباء التي تتراوح بين 1400 و1800 ليرة سورية لكل كيلو واط، إلا أن رفع السعر بهذا الشكل المفاجئ يضع ضغطًا كبيرًا على الأسر محدودة الدخل.

كما يؤكد المستسار الطاقوي أن الحل الأمثل كان الرفع التدريجي مع تطبيق فوري لشبكات حماية اجتماعية تمتص آثار التضخم وتمنع اتساع فجوة الدخل، لافتًا إلى أن النتائج الحقيقية للقرار ستبدأ بالظهور خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.

تفاصيل الشرائح

الدكتور . عربش يوضح أن نظام الشرائح الجديد، الذي قُسم إلى أربع فئات، يسعى إلى تحقيق قدر من العدالة بين المستهلكين وتشجيع ترشيد الاستخدام، لكنه يبقى غير كافٍ ما لم يُرفق بآلية دعم مباشر للأسر الأكثر هشاشة.
ويضيف أن الشريحة الأولى التي ما زالت مدعومة بنسبة 60% لا تحمي فعليًا الفقراء إذا لم تُوازنها إجراءات اقتصادية مكمّلة، مثل رفع الأجور وتحسين الخدمات الاجتماعية.

الانعكاسات الاقتصادية

وحول الانعكاسات الاقتصادية للقرار المذكور فيرى عربش أن رفع أسعار الكهرباء سينعكس على كلفة الإنتاج في القطاعات الصناعية والتجارية، مما سيؤدي إلى زيادة تدريجية في أسعار السلع والخدمات.
ويحذّر من أن هذه الموجة التضخمية قد تضعف القدرة الشرائية بشكل حاد إن لم يتم التعامل معها بسياسات مالية واقتصادية متوازنة، داعيًا إلى توسيع الدعم للمشاريع الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة لضمان استمرارها وحماية فرص العمل.

الإصلاح الحقيقي

كما يؤكد الخبير الطاقوي أن الطريق نحو إصلاح فعّال لقطاع الكهرباء يجب أن يقوم على خمسة محاور أساسية:

1. خفض الفاقد الفني والتجاري عبر تركيب عدادات ذكية وتحسين الصيانة.
2. الاستثمار في الطاقات المتجددة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري المكلف.
3. اعتماد تعرفة أكثر عدالة تراعي محدودي الدخل.
4. توحيد الجهود الحكومية ضمن خطة اقتصادية وطنية واحدة.
5. تأمين دعم مباشر ومستدام للأسر الأشد حاجة.
مشيراً إلى أن هذه المقاربة المتكاملة هي الضمانة الوحيدة لتحقيق إصلاح عادل ومستدام دون الإضرار بالنسيج الاجتماعي أو زيادة الفقر.

بناء منظومة عادلة

عربش اختتم حديثه بالتأكيد على أن الإصلاح الاقتصادي والطاقوي يجب أن يكون إنسانيًا في جوهره، معتبرًا أن نجاح الحكومة في هذه الخطوة سيُقاس بمدى قدرتها على تحسين الخدمات دون سحق الطبقة الوسطى والفقيرة.
وقال: “الإصلاح ليس في رفع الأسعار فقط، بل في بناء منظومة عادلة، شفافة، ومستدامة، تُعيد الثقة بين المواطن والدولة، وتمنح الأمل بأن التغيير ممكن حين يكون منظمًا وعادلاً.”

Leave a Comment
آخر الأخبار