الحرية- لوريس عمران :
شهد القطاع المصرفي في سورية إعلاناً لجملة من الإجراءات الهادفة إلى تعزيز استقرار النظام المالي ورفع قدرته على مواجهة تقلبات السيولة، وذلك في إطار مساعٍ أوسع لتحسين فعالية السياسة النقدية ودعم النشاط الاقتصادي.
وفي هذا السياق أكد الدكتور علي ميا الخبير الاقتصادي في جامعة اللاذقية أن هذه الخطوات تشكل تحولاً مهماً نحو تبني أدوات مالية أكثر تطورات تعكس رغبة واضحة في تحديث البنية المصرفية وجعلها أكثر انسجاماً مع الممارسات المعمول بها في الأنظمة المالية الحديثة.
وأشار الدكتور ميا في تصريح لـ”الحرية ” إلى أن مثل هذه القرارات غالباً ما يكون لها أثر مباشر في تحسين ثقة المتعاملين بالإضافة إلى تعزيز كفاءة إدارة السيولة داخل المصارف.
وفي معرض حديثه عن القرار المتعلق بإنشاء سوق للسيولة بين المصارف، لفت الدكتور ميا إلى أن هذه الخطوة تعد ركيزة أساسية لأي نظام مصرفي متطور، إذ توفر منصة موحدة تجمع مختلف البنوك ضمن إطار تنظيمي يسمح بتداول السيولة بينها بشكل منظم وشفاف.
وأوضح أن وجود مثل هذه السوق يسهل على المصارف تلبية احتياجاتها التمويلية القصيرة الأجل، ويخفف من الضغط التقليدي الملقى على المصرف المركزي بوصفه الملاذ الأول لتوفير السيولة.
كما بين ميا أن المنصة المزمعة تشكل بيئة تقنية وتنظيمية تساعد البنوك على تقديم عروض وطلبات السيولة بشكل مباشر، لافتاً إلى أن عملية التسعير فيها ستكون انعكاساً طبيعياً لمعادلة العرض والطلب، ما يعزز الانضباط المالي ويرفع مستوى الشفافية.
وفي تحليل آخر لأهمية هذا السوق، نوه الدكتور ميا بأن تدفق السيولة بين المصارف يقلل احتمالات حدوث اضطرابات مفاجئة قد تهدد استقرار القطاع، بالإضافة إلى أنه يتيح للمصارف التي تملك فوائض في السيولة إمكانية توظيفها بطريقة مثلى بدلًا من بقائها مجمدة، الأمر الذي يسهم في تنشيط الحركة المالية داخل النظام المصرفي.
مضيفاً أن مثل هذا التنظيم يقلل من تكاليف الاقتراض، ويمنح المصارف قدرة أفضل على إدارة أصولها وخصومها، ما يعزز صلابة النظام المالي ككل.
أما فيما يتعلق بآلية “المقرض الأخير” التي أعلن المصرف المركزي عن تفعيلها، فقد أكد الدكتور ميا أنها تشكل صمام أمان ضروري في أي اقتصاد، حيث يتولى المصرف المركزي التدخل عند الأزمات لتزويد البنوك المتعثرة بسيولة طارئة عند عجزها عن الحصول عليها من السوق.
مشيراً إلى أن تفعيل هذه الآلية يمنع انتقال الأزمات بين المصارف ويحمي النظام المالي من عدوى الانهيار، كما يطمئن المتعاملين بأن هناك جهة قادرة على التدخل عند الحاجة، وهو ما يعزز الاستقرار والثقة في الجهاز المصرفي.
وفي ختام حديثه بين الدكتور ميا أن هذه القرارات، من حيث توقيتها وطبيعتها، تبرهن على توجه حقيقي نحو إعادة هيكلة البيئة المصرفية في سوريا بما ينسجم مع المعايير الدولية، مضيفاً أن نجاح هذه الخطوات مرهون بقدرة المؤسسات المصرفية على التكيف مع الأدوات الجديدة وبمدى التزامها بتطوير أنظمتها الداخلية وإدارة مخاطرها بشكل احترافي.
واعتبر الدكتور ميا أن هذه الإجراءات إذا طُبقت بكفاءة يمكن أن تشكّل قاعدة انطلاق نحو مرحلة أكثر استقراراً وفاعلية في العمل المصرفي، بما ينعكس إيجاباً على دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز قدرته على النمو.