ناظم عيد – رئيس التحرير:
المجالس الاستشارية ليست بريستيجاً أجوفَ، وإن كانت تقاليد العمل التنفيذي لدينا قد تعاطت معها كذلك، وتعسّفت بها – فكرةً وتطبيقاً – على مرّ ردحٍ غير قليل من الزمن.
ولعل إحدى خواصر الضعف والوهن في عمل معظم المؤسسات والوزارات، طالما كانت تتمثّل بسعي رأس هرم المؤسسة أو الوزارة للاستفراد بادعاء المهارات المعرفية الأعمق في قطاعه، فالصلاحيات في أعراف “السّذّج” تملي ضروب المكابرة البغيضة عادة، وهذا ما عانيناه طويلاً ولمسنا نتائجه على هيئة ارتكاساتٍ متواليةٍ في مُخرجات العمل التنفيذي.
اليوم قد يكون علينا أن نستبشر خيراً بالمبادرات التي بدأت تظهر في بعض الوزارات في الحكومة الانتقالية، باتجاه بلورة فرقٍ استشاريةٍ من أوساط الأكاديميين والخبراء – ولدينا الكثير من هؤلاء بالفعل- ممن هم قادرون على تحقيق قيمٍ مضافةٍ حقيقيةٍ في التأسيس لقرارات متوازنة برؤية متعددة الاتجاهات والمسارات.
وإن كانت وزارة الاقتصاد والصناعة بقوامها الجديد الحامل لثلاث وزاراتٍ سابقةٍ، تتطلب ثقلاً استشارياً نوعياً، فإن الوزير الشعّار الذي خَبِر هفوات الماضي بتجربة عملية، أبدى تصالحاً واضحاً مع الاستحقاقات الثقيلة في وزارته، وبدأ يستقطب أصحاب الخبرة كشركاء في “الوزر”، على الرغم من خبرته وتجربته المشهود لها، فالواقعية من أهم ملامح الحكمة واتزان القوام الذهني والنفسي لحاملها.
نسوق واقعية مبادرة “الصناعة والاقتصاد” مثالاً، على الرغم من خبرة الوزير المخضرم، لتكون بداية لتعميم التجربة على مستوى كافة الوزارات “الفنيّة” ذات الصلة بالقطاعات الاقتصادية والخدمية، ومثلها المؤسسات المنبثقة عنها التي يتسم عملها بأثر مباشر في الشارع وعلى المواطن “المالية.. النفط والكهرباء.. النقل.. الزراعة”، ولا تعني مثل هذه الرؤية ضعف ثقة بالسادة حاملي الحقائب، بل هي الثقة بكفاءتهم وقدرتهم على الاستفادة من الخبرات المتاحة في البلد، لأن العاقل من استشار وشاور.
سوريا بلدٌ زاخرٌ بالكفاءات والخبرات، والكثير من الخبراء والأكاديميين السوريين يعملون كخبراء ومستشارين “عن بُعد” لمؤسسات عربية كبرى، ويؤخذ بآرائهم لأنها جديرة بأن يؤخذ بها، والأولى أن تستفيد سوريا من عقول أبنائها.
فمجالس “صنع القرار” ليست اختراعاّ سورياّ، بل هي عرفٌ عالميٌ تعتمده كبريات الدول الصناعية والأخرى الناهضة التي فاجأت العالم بمعدلات نمو استثنائية وقفزات تنموية غير متوقعة.
فلننشر مجالس الخبراء في كل مؤسسة ووزارة، ولنستثمر مايكتنزه السوريون من رؤى تطوير وبناء.
فهذا أفضل بكثير من أن يكون المنبر والمجلس صفحات ومنصات تواصل اجتماعي، تضيع فيها الرؤى في زحام ضخ وضجيج أضاع رشد الجميع.