الحريّة – نهى علي:
قلّل الخبير الاقتصادي د. إبراهيم نافع قوشجي من أهمية الحلول والإصلاحات الاقتصادية المجتزأة، معتبراً أنها لا تنتج انطلاقة حقيقية متكاملة للاقتصاد السوري، بالتالي ليس من الحكمة التعويل على الجزئيات لإنتاج حالة انتعاش كليّة تردم الفجوات المتراكمة والإرباكات المزمنة التي يعاني منها الاقتصاد السوري.
د. قوشجي: معالجة التشوهات الهيكلية وتوحيد السياسات مع آليات السوق الحر
وقال الخبير د. قوشجي في تصريح لصحيفتنا “الحريّة”:
يُخطئ مَن يظن أن حل أزمات الاقتصاد السوري يرتبط بأشخاصٍ مهما عَلا نفوذُهم أو امتدت مواردُهم المالية، فالتحديات التي يواجهها هذا الاقتصاد عميقةٌ وجذرية، تنبع من اختلالات بنيوية وقوانين عاجزة عن مواكبة متطلبات الاقتصاد الحر.
إن لم تبدأ عملية إصلاح حقيقية تعالج التشوهات الهيكلية في بنية الاقتصاد، وتُوحِّد السياسات الاقتصادية مع آليات السوق الحرة، فإن كل الحلول ستظل مؤقتة، ولن تُفضي إلا إلى مزيدٍ من الانتظار لـ “فرجٍ اقتصادي” قد لا يأتي إلا بإرادة إصلاح شاملة.
د. قوشجي: مطلوب بيئة استثمارية بقواعد شفافة ومسارات واضحة
مجالس رجال الأعمال
درجت التقاليد في سوريا على تعويل غير مدروس على مجالس رجال الأعمال المشتركة مع مختلف الدول والاقتصادات، حيث اعترى تشكيل هذه المجالس سابقاً الكثير من اللغط وسرديّات عن المحسوبيات في التعيين، وهناك من أشار إلى هذا الخلل على أنه تسبب في إرباك للعلاقة مع الآخر والتأثير سلباً على مصلحة الاقتصاد السوري.
إلّا أن الخبير الدكتور قوشجي يبدي رؤية أكثر شمولية لهذه الحيثيّة، ويرى أنه لا يُنتظر أن تحل مجالس رجال الأعمال أيّاً كانوا حتى “هيئة رجال الأعمال السوريين الأمريكين” – أو حتى رجال أعمال الولايات المتحدة نفسها – معضلات الاقتصاد السوري ما لم تُؤسس البيئةُ الاستثماريةُ على قواعدَ شفافةٍ تحمي حقوقَ المستثمرين، وتُحدد مساراتٍ واضحةً للاستثمار.. فمصالح القطاع الخاص، حتى لو ادعى وطنيته، تبقى منفصلةً عن أولويات التوازن الكلي للاقتصاد، والتي تقع مسؤوليتها على عاتق الحكومة ومؤسساتها المالية والنقدية.
د. قوشجي: نحو منظومة حوكمة ومحاربة الفساد وخطط عمل مؤطرة بجدول زمني وآليات مساءلة
دور الدولة
ويعوّل الخبير د. قوشجي على الدور الاستراتيجي للدولة، مشيراً إلى أهمية هذا الدور للدولة في ضمان عدالة توزيع الدخل، وحماية الفئات الهشة، ومواجهة البطالة والتضخم والمضاربات غير المشروعة، خاصةً في سوق الصرف الأجنبي.
ويضيف: لا يُغفل أن بعض مطالب رجال الأعمال – مثل حماية الصناعة الوطنية عبر حواجز جمركية أو قيود استيراد – تُكرس احتكاراتٍ تُعيق تكافؤ السوق، وتَحول دون تحسين جودة المنتجات المحلية لتكون قادرةً على المنافسة العالمية وهذا لا يمكن الاعتماد عليه في معالجة مشاكل الاقتصاد السوري.
حل جذري
فالحل الحقيقي من وجهة نظر الخبير قوشجي لا يكمن برؤية أو رغبات أو نشاطات رجال الأعمال، بل في بناء اقتصادٍ سليم تُخطط له كوادرٌ خبيرةٌ تتفهم تفاصيل الاقتصاد السوري وإمكانياته، و تصمم سياساتٍ مالية ونقدية متوازنة بعيداً عن ضغوط المصالح الضيقة أو الزيارات الاستعراضية التي لا تُنتج سوى دعايات إعلامية.
قوانين عادلة
على العموم – والكلام للخبير د. قوشجي- لا يُبنى الاقتصاد الحر إلا بقوانين عادلة تحمي الاستثمار وتُحفز على تراكمه، لتُنتج لاحقاً سلعاً تنافسيةً تُحقق قيمةً مضافةً حقيقيةً بعيداً عن الاحتكار. هذا المسار الطويل يتطلب إصلاحاً قانونياً يُعيد هيكلة الاقتصاد وفق رؤيةٍ تواكب التحديات العالمية، مع الحفاظ على الأولويات المحلية.
مكمّلات استراتيجية
لكل ماسبق مكمّلات لازمة وضرورية بالطبع، إذ يرى محدثنا أن كل هذه الخطوات تظل حبراً على ورق ما لم تُرافقها إرادة سياسية حقيقية لإصلاح منظومة الحوكمة، ومحاربة الفساد الهيكلي الذي أنهك مؤسسات الدولة، وتحويل الشعارات إلى خطط عملٍ مُؤطرةٍ بجدول زمني وآليات مساءلةٍ واضحة. فقط حينها يمكن أن يتحول “الانتظار” إلى فعلٍ إصلاحيٍ يُعيد للاقتصاد عافيته، وللمواطن أملَه في غدٍ أفضل.