إنهاك الأرض والمحميات.. تدمير للإنتاج الغذائي والبيئة

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – محمد فرحة :
بعد أكثر من عشر سنوات على الفاقة والعوز الذي ضرب البلاد والعباد، وأدى إلى إنهاك الأرض نتيجة للزراعات المتكررة، بحثاً عن المزيد من الإنتاج الغذائي لسد الفجوة بين الحاجة والمتاح، زد على ذلك لم تسلم غاباتنا والمحميات الطبيعية من كوارث الحرائق والاحتطاب الجائر، أدى ذلك إلى تغيير بنيتها وأغلب مكوناتها الإيكولوجية، وانقراض العديد من النباتات الزهرية العطرية التي لا ترمم ذاتها كبقية الأشجار والشجيرات.
وتعتبر موارد الطبيعة واستدامتها محصلة التفاعل بين الإنسان والبيئة، ونقطة البداية في هذا التحول والتفاعل هي سعي الإنسان لسدِ حاجاته، مع كل الحرص على البيئة ومكوناتها من غابات ومحميات طبيعية.
لقد طالت الاعتداءات طيلة السنوات العشر الماضية كل المحميات، بدءاً من محمية (أبو قبيس) في منطقة الغاب ومحمية البستان في ريف مصياف.
إذاً نحن اليوم بحاجة ملحة إلى إيجاد حلولٍ مستدامة ومجدية لتضييق الثغرة بين المنتج الغذائي الزراعي وبين الطلب، مع مراعاة عدم إنهاك الأرض بزراعات بعينها سنوياً، وتفعيل التشاركية بين المجتمع الأهلي وحماية الغابات والمحميات التي بدأت تفقد الكثير من مقوماتها.
فكيف سيكون ذلك؟.. وماذا تحتاج المرحلة القادمة، وأين هي محمية أبو قبيس ومحمية البستان؟ وماذا جرى لها وعليها، أسئلة حاولت صحيفة الحرية البحث عن جوابٍ لها، وهذه هي التفاصيل:
كل الدراسات والباحثين الزراعيين يؤكدون أن إنهاك الأرض بزراعات متكررة، ولاسيما عندما يتعلق الأمر تحديداً  بمحصول  واحد” القمح” مثال، من شأنه  تدمير الإنتاج الزراعي، وللأسف هذا ما كانت تعمل عليه وزارة الزراعة في حقبة الحكومات السابقة وتحديداً  في فترة آخر حكومة.
حيث كانت تسعى إلى زيادة الإنتاج من خلال زيادة الرقعة المزروعة، حتى وإن اقتضى الأمر تكرار زراعة المحصول في الأرض الواحدة، أي من دون لحظ تطبيق الدورة الزراعية، وهذا تجنٍ في العلوم الزراعية والبحثية، ما كان يؤدي دائماً إلى تراجع الإنتاج وتعميق الفجوة بين الحاجة من القمح و الطلب المنتج، وبشكل أوضح وأفصح اختلال التوازن بين ماهو منتج وبين حاجة السكان.
اليوم ما تردّده الحكومة المؤقتة هو التركيز على القطاع الزراعي بشكل علمي ومدروس، بهدف إغلاق الفجوة بين الحاجة والمنتج، وهذا قرار شجاع  تقتضيه الظروف الراهنة.
وماذا عن المحميات “أبو قبيس” مثال؟
يجيب مدير الحراج في الهيئة العامة لتطوير الغاب المهندس أنس برهوم: إن محمية “أبو قبيس” حالها كحالِ كل ما أصابَ الغابات وبقية المحميات الطبيعية من انتهاك واعتداءات، تمثّل في الاحتطاب أو الحرائق، ما أصاب التصنيف النباتي فيها بضررٍ، وهي اليوم بحاجة لدراسة وصفية دقيقة، وهي الغنية بشتى أنواع الأشجار واختلاف أصنافها وأنواعها، بدءاً من الصنوبريات والقطلب والزعرور والسنديان والبلوط .
وتطرق المهندس برهوم إلى ناحية علمية، مؤداها أن الصنوبر نادراً ما يتواجد في تربة حمراء لجهة الظروف البيئية والمناخية، فهو موجود في محمية “أبو قبيس”.
وعن عملية ترميم بعض مكونات المحمية من جراء ما لحق بها من عبث واحتطاب، أوضح مسؤول حراج هيئة تطوير الغاب، أن هناك العديد من الأشجار والشجيرات ترمم نفسها بنفسها كالسنديان، في حين أن البعض الآخر لا يعوض ولا يرمم. ولذلك هناك خطوة تتمثل في قاعدة التعاقب البيئي، وهي فكرة جهود علمية بامتياز، تهدف إلى وضع الحماية، والتي هي الأساس التنموية، وهي عبارة عن الاحتفاظ بسلالات بذرية مكون الأنواع العشبي منها الفصلية والدائمة، إضافة إلى الأنواع الثابتة كعرضيات الأوراق.
وأنهى حديثه بأهمية التشاركية مع المجتمع المحلي فيما يتعلق بحماية المحميات والغابات.

لكن، هل مازالت الطيور والحيوانات الأخرى مستوطنة المحمية؟
من المعروف أن بعض الطيور تستوطن المحمية، وبعضها الآخر يأتيها في فصول محدّدة من السنة، فبعض الطيور لها هجراتها الدورية، وبعضها انتحارية، حيث تتعرض لبنادق الصيادين وقنصهم، مثل البط ودجاجة السلطان والشحرور.
كما تعرف الطيور والحيوانات أن موعد هجرتها قد حان، وغالباً ما كانت هذه الهجرات لسببين رئيسيين، الأول من أجل تجنب موجات البرد والصقيع، والثاني بحثاً عن موائل غذاءٍ أفضل، ومن المعروف أنها تهاجر من الشمال إلى الجنوب.
ومن الطيور المستوطنة في محمية “أبو قبيس”، هناك  “البوم والباشق وأبو حن والحجل والفرّي”، في حين يتواجد من الحيوانات “الثعلب والذئب والضباع والأرنب”، وقد تم العثور في  منتصف التسعينيات على غزال أسمر، كان قد تعرض لطلق ناري، فقامت جمعية “إسبانا” بعلاجه في كلية الطب البيطري بحماة لعدة أشهر، وعندما تم شفاؤه أُعيد إطلاقه  في المحمية.
ولذلك، نرى من الضروري جداً التركيز على التشاركية مع المجتمع الأهلي لحماية المحميات، وعدم إجهاد الأرض بزراعات متكررة.

Leave a Comment
آخر الأخبار