اتفاقية الغاز الآذري تصطدم بغياب خطة طاقوية متكاملة ومندمجة ضمن خطة اقتصادية محكمة الصياغة 

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية-هبا علي أحمد: 
تحظى مسألة استقبال سوريا 3.4 ملايين متر مكعب من الغاز القادم من أذربيجان باهتمام حكومي وشعبي إن أمكن القول، بانتظار انعكاسها بشكل حقيقي وملموس على قطاع الطاقة وتحسين الكهرباء وحتماً إنعاش الدورة الاقتصادية، وإن كان من الضروري تسليط الضوء على الموضوع، لكن بالمقابل لابدّ من الحديث عن انعكاسها على الواقع المعيشي، فإذا زادت ساعات التغذية ٤ ساعات لتصبح بالمجمل ١٢ ساعة، وبفاتورة استيراد (٣٦٥ مليون $) فهذا يعني حتمية رفع أسعار الكيلواط (التجاري والسكني) وبالتالي بروز ضغوط تضخمية الأمر الذي يستدعي حالاً صياغة خطة طاقوية ومندمجة بسياسة اقتصادية.

تساؤلات المرحلة

اعتباراً من يوم الغد وحسب الاتفاقية الموقعة بين أذربيجان وسوريا، ستبدأ الإمدادات من الغاز الطبيعي بالقدوم إلى سوريا، عبر الشبكة التركية بخط الغاز باتجاه المنطقة الحدودية كيليس ثم الشبكة السورية باتجاه حلب (المحطة الحرارية بجبرين) حيث ستصل كمية الواردات خلال أيام قليلة إلى مستوى ٣.٣ ملايين م٣/يوم بعد فترة التجربة واجتياز كافة العوائق التقنية، كون الكمية السنوية المتفق عليها ١.٢ مليار م٣ ولمدة ثلاث سنوات، وبما يسمح بتوليد نحو 900 ميغاواط من الكهرباء، وذلك ضمن تعاون مشترك بين شركة النفط الوطنية الأذرية (Socar) والحكومة السورية- وزارة الطاقة وذلك بهدف دعم قطاع الطاقة السوري.

إمدادات الغاز الأذري ستترك آثرأ إيجابياً  على القطاعات الإنتاجية والسكنية كون زيادة ساعات التغذية يعني تجاوز الحد الحرج في عمليات الإنتاج

في السياق يطرح المستشار في شؤون الطاقة والخبير الاقتصادي الدكتور زياد أيوب عربش العديد من التساؤلات في حديث لـ « صحيفتنا الحرّية»:هل إمدادات الغاز من أذربيجان إلى سوريا كفيلة بحل أهم عنق زجاجة أمام بداية مسار إعادة الإعمار والدفع بعجلة الإنتاج ومسألة الاسعار؟!

الآثار الإيجابية

على الأكيد أن هذه الخطوة تُبشر بانفراج طاقوي إلى حدٍّ ما، إذ إن تأمين هذه الكميات يعني زيادة إمدادات محطات التوليد السورية بنسبة ٥٠% مقارنة بما تنتجه سوريا حالياً من الغاز الطبيعي والبالغ ٦ ملايين م٣/يوم، وفقاً للدكتور عربش، أي زيادة ساعات التغذية بنفس النسبة تقريباً كون الإنتاج الحالي من الكهرباء يقارب ٢٠٠٠ ميغا واط وكميات الإنتاج الإضافية ستكون بحدود ٩٠٠ ميغا واط (مع وجود اتفاقية بين تركيا وسوريا بإمداد الجانب التركي لسوريا بالكهرباء مباشرة بحدود ٤٠٠- ٥٠٠ ميغا واط).

لم تتضح آليات تسديد قيمة الغاز المّورد لسوريا والمعادلة السعرية المعتمدة للمتر المكعب من الغاز والتي ترتبط  بنسبة معينة من سعر الفيول وبنسبة أخرى من سعر النفط الخام.

بناء على ما سبق، فالآثار الإيجابية والانعكاسات على القطاعات الإنتاجية والسكنية ستكون بغاية الأهمية، كون زيادة ساعات التغذية للقطاعات الإنتاجية والخدمية والتخديمية ، يعني تجاوز الحد الحرج في عمليات الإنتاج: من ٤ ساعات إتاحية للكهرباء في المعامل حالياً إلى ٦ أو ٧ ساعات تغذية، وبالتالي استغلال طاقات الإنتاج، ونفس الأمر للقطاع السكني (الذي يتضمن نسبة  مهمة من القطاع غير المنظم التجاري والصناعي والزراعي) والذي يتزود بالتيار وهو مُنتج بالمعنى الاقتصاد وإن كان غير رسمي.

مسألة التسعير والدفع

إلّا أن هناك واقع لابدّ من الإشارة إليه ووضع المواطن أمام حقيقته ولاسيما أننا لم نصل بعد إلى الاستقرار المعيشي والاقتصادي ، إذ  يوضح الدكتور المستشار في شؤون الطاقة إلى نقطة مهمة إذ لم تتضح بعد وللعلن آليات تسديد قيمة الغاز المّورد لسوريا والمعادلة السعرية المعتمدة للمتر المكعب من الغاز والتي ترتبط عادة بنسبة معينة من سعر الفيول وبنسبة أخرى من سعر النفط الخام، حيث بالأسعار الحالية وحسب المناطق (سعر الغاز يُحدد تبعاً للمنطقة والاتفاق بين الموّرد والمستورد حيث لا يوجد سعر عالمي للغاز مقارنة بالنفط الخام) ونعتقد بأن السعر سيكون بحدود ٣٠٠ ألف دولار لكل مليون م٣ من الغاز، أي أقل من سعر الغاز من روسيا – أقل بحدود ٥٠ دولار (أسعار نهاية تموز ٢٠٢٥) وبالتالي ستقارب قيمة الغاز الموّرد  من أذربيجان إلى سوريا مبلغ مليون دولار يومياً ولن تقل عن ذلك كثيراً حتى بوجود أسعار تفضيلية من دولة أذربيجان باتجاه سوريا.

لم تعلن إلى الآن خطة طاقوية متكاملة ومندمجة ضمن خطة اقتصادية محكمة الصياغة إذ تلبية حاجات سوريا من حوامل الطاقة تفرض  تكامل سياسة التصدي لمسألة الهدر والفواقد

إذاً بناء على ماسبق، فبالتأكيد ستعمد الحكومة  السورية إلى رفع سعر الكيلواط وبنسب جوهرية كون السعر الحالي للكهرباء وتحديداً المنزلي لا يغطي إلا نسبة هامشية من التكلفة الحقيقية، حسب عربش، وبالتالي سنشهد ضغوطاُ تضخمية في أسعار مجمل السلع والخدمات في سوريا وبما فيها السلع الأساسية كالخبز (المدعوم) وخدمات الصحة وغيرها،

وذلك لتأمين ما يقارب ٣٦٥ مليون دولار سنوياً لمجمل الكميات الموردة من اذربيجان.

الرؤية المطلوبة

الخطوات المتلاحقة في مجال الطاقة وتوقيع الاتفاقيات تبقى منقوصة ما لم توجد خطة طاقوية، إذ قبل وبعد دمج وزارة الكهرباء مع وزارة النفط بوزارة واحدة: وزارة الطاقة، لم تعلن إلى الآن خطة طاقوية متكاملة ومندمجة ضمن خطة اقتصادية محكمة الصياغة، وهنا يرى الخبير عربش أن تلبية حاجات سوريا من حوامل الطاقة تفرض  تكامل سياسة التصدي لمسألة الهدر والفواقد قبل أي أمر آخر مَهما كان مُهماً، مع سياسة متابعة تنفيذ مشاريع الطاقات المتجددة ثم مع بقية مصادر الطاقة وذلك ضمن منظور اقتصادي كلي بحيث لا تكون أسعار هذه الحوامل بمعزل عن النفع الاقتصادي العام، إذ إن زيادة إنتاجية كل الفعاليات الاقتصادية مع مواجهة كل فواقد الطاقة وبجدية يعني تحسين الكثافة الطاقويةْ جوهرياً، أي زيادة الناتج المحلي دون المزيد من حوامل الطاقة وفك الارتباط بين المؤشرين وذلك باعتماد سياسة طاقوية جريئة وقابلة للتنفيذ والتتبع.

Leave a Comment
آخر الأخبار