اتفاق ترامب وشي جين بينغ في قمة «APEC»: الاقتصاد كأداة لخفض التوتر السياسي

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – سامر اللمع:

بعد أشهر من التصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، والذي شمل التهديد بفرض رسوم جمركية مرتفعة وقيود على تصدير المعادن النادرة الحيوية، يبدو أن الطرفين قد توصلا إلى صفقة شاملة بين الرئيسين دونالد ترامب وشي جين بينغ، عقب لقائهما المباشر اليوم في مدينة بوسان الكورية الجنوبية، في أول اجتماع يجمعهما منذ عام 2019، وذلك على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ «APEC».
اللقاء الذي امتد نحو ساعتين أسفر عن اتفاق يقضي بتقليص الرسوم الجمركية الأمريكية، مقابل استئناف الصين شراء فول الصويا الأمريكي، وضمان استمرار تصدير المعادن النادرة، إلى جانب تشديد الرقابة على تجارة مادة الفنتانيل غير المشروعة، كما اتفق الزعيمان على التعاون في ملف أوكرانيا، وعلى إلغاء الرسوم والقيود المفروضة على الشحن البحري، فيما لم تُطرح قضية تايوان خلال الاجتماع.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصف اللقاء بأنه «رائع»، معلناً عزمه زيارة الصين في نيسان المقبل، على أن يقوم الرئيس الصيني بزيارة الولايات المتحدة في وقت لاحق من العام ذاته.
من جانبه، شدد الرئيس شي جين بينغ على ضرورة تجنب الانزلاق إلى دوامة من الإجراءات والإجراءات المضادة، معتبراً أن العلاقات بين البلدين تحافظ على قدر من الاستقرار، وأن التجارة يجب أن تكون حجر الزاوية فيها، داعياً إلى التركيز على التعاون بما يخدم مصالح الطرفين على المدى الطويل.

أثر الاتفاق على الأسواق العالمية

أشعل الاتفاق موجة من التفاؤل في الأسواق العالمية التي تتوق إلى اليقين والاستقرار في سلاسل الإمداد، ومن المتوقع أن يطوي صفحة الحرب التجارية بين ترامب وشي، وينهي مرحلة التوتر الاقتصادي العالمي، ويعيد صياغة قواعد التجارة بين واشنطن وبكين.
فور الإعلان عن الاتفاق، قفزت الأسهم الصينية إلى أعلى مستوياتها خلال عقد، وارتفع اليوان إلى ذروة تقترب من أعلى مستوى له منذ عام، وسط تفاؤل المستثمرين بانفراج في التوترات التجارية التي عطلت سلاسل الإمداد وأثرت على ثقة الأعمال عالمياً، كما سجلت أسواق الأسهم العالمية، من وول ستريت إلى طوكيو، مستويات قياسية خلال الأيام الأخيرة.

انفراج بعد أزمة

بعد أشهر من التصعيد، خفتت لغة التهديدات بين واشنطن وبكين لتحل محلها براغماتية حذرة، وفي منعطف حاسم كاد أن يخنق الاقتصاد العالمي، وضعت القوتان الأعظم، الولايات المتحدة والصين، أسلحة الرسوم الجمركية جانباً مؤقتاً، وعادتا إلى طاولة الحوار.
ويُعد هذا الاتفاق، وفقاً لمحللين اقتصاديين، مؤشراً على تحول أعمق في إستراتيجيات الطرفين، إذ أدركا أن الاستمرار في المواجهة المفتوحة طريق محفوف بالخسائر، من سلاسل التوريد العالمية إلى جيوب المستهلكين في كلا البلدين.
وفي لحظة إدراك طال انتظارها، تراجع الرئيس ترامب عن فرض رسوم جمركية شاملة على الصين كانت ستصل إلى 100%، فيما أبدت بكين مرونة بإلغاء القيود على تصدير المعادن النادرة، التي تُعد شرياناً حيوياً لصناعات التكنولوجيا المتقدمة. هذا التوازن الدقيق في التنازلات يعكس واقعية اقتصادية جديدة تعترف بتشابك المصالح وتشاطر المخاطر، وتهدف إلى تحقيق مكاسب ملموسة من دون أن يبدو أي طرف مهزوماً سياسياً.

البُعد السياسي للاتفاق

لا يمكن تجاهل البُعد السياسي للاتفاق، فالرئيس ترامب، الساعي إلى استقرار الأسواق قبيل الانتخابات النصفية، يحتاج إلى إنجاز ملموس يقدمه لناخبيه، خاصة المزارعين المتضررين من تجميد صادرات فول الصويا، وفي المقابل، يسعى الرئيس شي إلى ترسيخ صورة الصين كقوة عالمية مسؤولة تسهم في استقرار الاقتصاد الدولي، ولاسيما في ظل تباطؤ النمو المحلي.
وهنا يبرز السؤال الكبير: هل يمكن للعالم أن يتنفس الصعداء بعد هذا الاتفاق؟ ربما تكون الإجابة «نعم»، ولكن بحذر شديد، فالقضايا الجوهرية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، وأمن التطبيقات مثل «تيك توك»، ومستقبل تايوان، لا تزال قنابل موقوتة قد تعيد إشعال الخلاف في أي لحظة، وما نشهده اليوم ليس سلاماً تجارياً شاملاً، بل تجميدٌ مؤقت للصراع في انتظار حلول أكثر شمولاً على المدى البعيد.
ويرى خبراء سياسيون واقتصاديون أن واشنطن وبكين أحسنتا اختيار لغة الحوار، لكن التحدي الحقيقي يكمن في إدارة التوازن المعقد بين التعاون والتنافس خلال العقود المقبلة، فالعالم اليوم لا يحتمل حرباً تجارية جديدة قد تتدحرج إلى مواجهة عسكرية بين أكبر قوتين عالميتين، بل يتوق إلى عقلانية سياسية واقتصادية تعيد الثقة وتحفظ مصالح الجميع.

Leave a Comment
آخر الأخبار