اتفاق غزة «التاريخي».. لماذا التشاؤم؟

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

ما زالت أصداء «اليوم التاريخي» في شرم الشيخ قائمة بكامل أبعادها إقليمياً وعالمياً، حيث تم أمس التوقيع رسمياً على اتفاق «سلام دائم» بين إسرائيل وحركة حماس.. ورغم وصفه باليوم التاريخي إلا أن الشكوك ما زالت سيدة الموقف حيال مستقبل هذا الاتفاق وما إذا كان سيكتب له النجاح ويكون البداية التنفيذية لما يسمى الشرق الأوسط الجديد.

هناك شبه اتفاق على أن توقيع أي اتفاق لا يعني بالضرورة نجاحه، فالنجاح يتطلب جهوداً موثوقة ومصداقية وتضحيات من الأطراف المعنية، وهذا غير متوفر في اتفاق غزة الموقع في شرم الشيخ بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورؤساء ومسؤولين آخرين عرباً وأجانب.

تقول صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في مقال مطول لها اليوم الثلاثاء: كان يوم الإثنين يوماً تاريخياً في الشرق الأوسط، حيث أطلقت حماس سراح رهائنها الإسرائيليين العشرين الأحياء بعد أيام قليلة من وقف إسرائيل هجومها على قطاع غزة، وبإبرامه هذا الاتفاق، حظي ترامب باستقبال حافل في البرلمان الإسرائيلي، حيث هتف المشرعون باسمه، وحتى الديمقراطيون البارزون يعطون ترامب حقه.

لكن هل هذا حقاً «فجر تاريخي لشرق أوسط جديد؟» كما قال ترامب أمام الكنيست، أم إنه مجرد وقف إطلاق نار آخر في الصراع العربي – الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 100 عام؟

وتجيب واشنطن بوست: للأسف، تشير جميع الدلائل إلى أنه لا يوجد شيء نهائي بشأن السلام الذي تنعم به غزة، وإن تأخر، بعد عامين من القتال العنيف الذي أشعله هجوم حماس الوحشي في 7 أكتوبر تشرين الأول 2023 على إسرائيل.

وبرأي الصحيفة الأميركية فإن تحويل وقف إطلاق النار هذا إلى سلام دائم يتطلب تضحيات لا يبدو أن إسرائيل أو حماس ستقدمانها، وتمثل نهاية الحرب فرصة – كما أشار الدبلوماسي الأمريكي مارتن إنديك في مجلة الشؤون الخارجية قبل وفاته العام الماضي – لإحياء حل الدولتين الذي طال انتظاره، ولكن بينما تفتح خطة ترامب للسلام الباب قليلاً أمام قيام دولة فلسطينية – إذ تتحدث عن تهيئة الظروف «لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة» – يبدو أن كلاً من إسرائيل وحماس عازمتان على إغلاق هذا الباب.

إن الشرط المسبق الأول لإحراز تقدم نحو السلام الدائم تقول الصحيفة هو نزع سلاح حماس – النقطة 13 من خطة ترامب – ما يؤدي إلى «نزع سلاح غزة»، لكن حماس، بدلاً من التخلي عن سلاحها، عادت لتؤكد سيطرتها على أجزاء من قطاع غزة لم تعد تحت الاحتلال الإسرائيلي.

ورغم الخسائر الفادحة التي تكبدتها حماس خلال الحرب، والتي شملت معظم قادتها ومقاتليها المخضرمين، لا يزال يُقدر عدد أعضائها في غزة بـ 15 ألف عضو، وهذا يُمثل مشكلة كبيرة أمام تنفيذ بقية بنود خطة ترامب، التي تدعو إلى نشر قوة دولية لحفظ السلام، وإنشاء «لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية» لإدارة القطاع.

لن يكون أي من الأمرين ممكناً ما دامت حماس القوة العسكرية المهيمنة في أجزاء غزة غير الخاضعة لسيطرة إسرائيل، ولن ترسل الدول العربية قوات حفظ سلام إذا اضطرت لمحاربة حماس، ولن تسمح إسرائيل والولايات المتحدة بتدفق أموال إعادة الإعمار إذا بقيت حماس.

لقد بذلت مصر وتركيا وقطر جهوداً حثيثة للضغط على حماس لقبول وقف إطلاق النار وإطلاق الرهائن، ولكن هل سيتمكنون من إقناع الحركة بالتخلي عن سلاحها؟.. إن لم ينجحوا، فمن المرجح أن تظل غزة أشبه بمقديشو على البحر الأبيض المتوسط، لن تتحقق أبداً رؤية ترامب الطموحة لإعادة التنمية الاقتصادية، وسيُحرم الفلسطينيون من فرصة الرخاء، وفي نهاية المطاف السيادة.

من جانبه، يصرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على عرقلة حل الدولتين، حيث قال الشهر الماضي خلال افتتاح مستوطنة إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية: لن تُقام دولة فلسطينية، هذا المكان لنا.

بينما كانت الحرب مستعرة، بذلت حكومة نتنياهو اليمينية كل ما في وسعها، باستثناء الضم الرسمي -حسب الصحيفة-، لتوسيع السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية – ولربما كانت ستنفذ الضم الرسمي لو لم يعرقله ترامب، كما أن الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة تشمل بناء وحدات سكنية جديدة في أنحاء الضفة الغربية، ونقل القوات الإسرائيلية إلى ثلاثة مخيمات رئيسية للاجئين الفلسطينيين، وعدم بذل جهود تُذكر لمنع المستوطنين الإسرائيليين العنيفين من تهجير نحو 3000 فلسطيني من أراضيهم.

وتختم واشنطن بوست: هذه الخطوات، إن لم تُلغَ، ستعيق فعلياً قيام دولة فلسطينية، علاوة على ذلك، ورغم أن خطة ترامب للسلام تتصور سلطة فلسطينية مجدَّدة تحكم غزة في نهاية المطاف، فإن حكومة نتنياهو تقوض سلطة السلطة الفلسطينية بكل الطرق الممكنة.

Leave a Comment
آخر الأخبار