اجتماع عمّان وزيارة الشيباني لتركيا.. مسار تكاملي عربي إقليمي دعماً لسورية موحدة ومستقرة

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

لا تنفصل زيارة وزير الخارجية أسعد الشيباني لتركيا اليوم عن اجتماع عمان أمس، في سياق العمل الدبلوماسي المكثف الذي تواصله الدولة السورية بمواجهة التحديات داخلياً وخارجياً، والتي تشهد تصاعداً خطراً بفعل التدخلات الإسرائيلية من جهة، وتقاطعها من جهة ثانية مع نزعات انفصالية لشخصيات وواجهات تدعي تمثيلها لمكونات دينية ومناطقية، وتسعى للدفع بسوريا نحو التقسيم، تحت مزاعم الفدرلة أو اللامركزية (مؤتمر قسد المسمى – وحدة الموقف- مثالاً) فيما الدولة تواصل مد اليد والانفتاح على الجميع وعلى جميع المبادرات والتأكيد دائماً أنها الضامن والحامي، وكل المسارات الأخرى التي تتجاوزها هي ضد سوريا وأهلها.

زيارة الشيباني لتركيا متوقعة وهي مهمة بدلالات استراتيجية فتركيا معنية بصورة أساسية بما يجري في سوريا.. كل تهديد لسوريا تراه تهديداً لها وتالياً هي معنية بمخرجات اجتماع عمان على مستويات الاطلاع والتنسيق والعمل  

زيارة الشيباني كانت متوقعة وهي مهمة بدلالات استراتيجية، فتركيا معنية بصورة أساسية بما يجري في سوريا. كل تهديد لسوريا هو في تداعياته تهديد لتركيا، وتالياً هي معنية بمخرجات اجتماع عمان الثلاثي الذي عقد أمس الثلاثاء (وضم الشيباني مع نظيره الأردني أيمن الصفدي والمبعوث الأميركي الخاص توم باراك) وبحث التهديدات التي تتعرض لها سوريا، والتحديات التي تتقاطع في عدة منعطفات خطرة خصوصاً في الجنوب، وبالأخص السويداء. وتأتي الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة لتضاعف حجم التهديدات والتحديات، وبما يتجاوز سوريا إلى الجوار، حيث الأردن مهدد، كما لبنان، والعراق، وصولاً إلى تركيا، فهذه التحديات والتهديدات لا تتعلق فقط بالعلاقات الثنائية ودور تركيا في مساعدة سوريا في النهوض والبناء، بل تتعدى إلى تهديد تركيا نفسها في المنطقة وليس في سوريا فقط.. إذاً، هي معنية باجتماع عمان على مستويات الاطلاع والتنسيق والعمل.

لذلك فإن أي لقاء سوري تركي هو لقاء مهم ولازم، وهو ما تجلى مرة أخرى عبر المؤتمر الصحفي المشترك للوزير الشيباني ونظيره التركي هاكان فيدان الذي أكد الحرص على سوريا ودعم سيادتها ووحدة أراضيها، وعلى تثبيت جهود الدولة لتحقيق مصالح السوريين بجميع أطيافهم.

مخرجات زيارة الشيباني تتقاطع بصورة واضحة مع مخرجات اجتماع عمان وهي بالقراءة العملية تتكامل معها لتثبيت جهود الدولة لضمان أن تبقى سوريا واحدة موحدة

وأشاد هاكان بالعلاقات التي استطاعت سوريا تحقيقها مع دول المنطقة، مشيراً إلى التنسيق والعمل المشترك مع الدولة السورية لوضع «حلول للمشاكل التي تواجهها في هذه المرحلة بهدف القضاء على المؤامرات وتذليل العراقيل» وإحباط المساعي الإسرائيلية لإضعاف سوريا وخلق الفوضى فيها، حيث أن هذا الأمر «مرفوض وسيكون له تأثير على دول المنطقة بأكملها».

وتحدث الشيباني في السياق نفسه حول المرحلة الحرجة التي تمر بها سوريا، والاعتداءات الإسرائيلية التي تهدد استقرارها واستقرار المنطقة. كذلك تحدث عن مساعي فرض واقع التقسيم وإثارة الفوضى، مؤكداً أن «يد الدولة ممدودة لكل شراكة تحترم وحدة سوريا وسلامة أراضيها». وجدد الشيباني التأكيد على أن «السويداء جزء أصيل من سوريا وأبناؤها جزء من النسيج الاجتماعي للشعب السوري، ولا نقبل إقصاءهم أو تهميشهم، وما حدث كان مفتعلاً من إسرائيل لبث الفتنة الطائفية في المنطقة».. ويضيف: « ملتزمون بمحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات في السويداء وغيرها، والدولة السورية هي التي تضمن حماية جميع مواطنيها وعلينا تغليب لغة الحكمة لتجاوز هذه المحنة».

شكل اجتماع عمان محطة دعم مهمة لسوريا خصوصاً لناحية تشكيل مجموعة عمل ثلاثية مشتركة لدعم جهود الدولة السورية في تعزيز وقف إطلاق النار في محافظة السويداء

مخرجات الزيارة وما جاء في المؤتمر الصحفي تتقاطع بصورة واضحة مع مخرجات اجتماع عمان، وهي بالقراءة العملية تتكامل معها، أي أن الجهود العربية تتوافق وتتكامل مع تركيا، بدعم أميركي، في سبيل تحقيق الاستقرار والأمن في سوريا وتثبيت جهود الدولة لضمان أن تبقى سوريا واحدة موحدة.

شكل اجتماع عمان محطة دعم مهمة لسوريا، خصوصاً لناحية تشكيل مجموعة عمل مشتركة، سورية – أردنية – أميركية لدعم جهود الدولة السورية في تعزيز وقف اطلاق النار في محافظة السويداء. لا يخفى على أحد أن هذه الأحداث صاعدت مخاوف السوريين، والجوار. السويداء رغم نجاح جهود التهدئة والاحتواء ما زالت بالمجمل تشكل خاصرة رخوة يتم من خلالها استهداف الدولة السورية من جهة.. وسوريا الجغرافية من جهة ثانية، أو لنقل ما زالت السويداء تشكل الملف الأكثر حساسية، وعلى أكثر من مستوى، لذلك كان من المنطقي أن تكون ملفاً رئيسياً على طاولة اجتماع عمان، ومن المتوقع أن تلتئم هذه الطاولة مجدداً في المدى المنظور، خلال أسبوعين حسب المتداول، ما يعني أن اجتماع عمان المقبل سيكون مخصصاً لبحث وتقييم ما تم انجازه على الأرض، والعمل على خطوات جديدة، في السويداء بصورة أساسية، وفي ملفات أخرى في مقدمها قوات سوريا الديمقراطية «قسد».

السويداء تشكل الملف الأكثر حساسية وعلى أكثر من مستوى لذلك كان من المنطقي أن تكون ملفاً رئيسياً على طاولة اجتماع عمان ومن المتوقع أن تلتئم هذه الطاولة مجدداً خلال أسبوعين للبحث والتقييم والعمل على خطوات جديدة

تواصل «قسد» اللعب على أكثر من حبل، تناقضاً وتكاذباً، لكن أهدافها مكشوفة. تطلق خطاباً جامعاً في العلن لكنها في الميدان (والسياسة) تواصل نهجاً عدوانياً انقسامياً (بالتزامن مع اجتماع عمان عملت مجموعتان من قسد على تنفيذ عملية تسلل نحو نقاط انتشار الجيش العربي السوري في منطقة تل ماعز شرق حلب اندلعت على إثرها اشتباكات عنيفة) في انتهاك جديد خطير لاتفاق 10 آذار الموقع بينها وبين الحكومة السورية.

تواصل «قسد» اللعب على أكثر من حبل تناقضاً تكاذباً بين خطاب يدعي الوطنية وبين ميدان عدواني انقسامي يستقي من إرث نظام سابق سمح لها بالتشكل والتمدد والاستقواء

تسعى قسد ما أمكنها لاستغلال ما توفره المرحلة الانتقالية من ثغرات، وما يحدث من تدخلات خارجية، وهي بالأساس تستقي من إرث نظام سابق سمح لها بالتشكل والتمدد والاستقواء، لتكون اليوم في مواجهة سوريا الحرة، وفي مواجهة الدولة الجديدة وجهودها الهائلة لحماية البلاد والحفاظ عليها موحدة، وهذه المواجهة تستنزف قدرة الدولة ومقدراتها في الوقت الذي يُفترض أن تتوجه للبناء والنهوض الاقتصادي، وفي الوقت الذي يجب أن يكون فيه جميع السوريين عوناً لها.

لذلك فإن اجتماع عمان وغيره من اجتماعات ومسارات عربية إقليمية (ودولية) يشكل حاجة وضرورة للتنسيق والعمل طالما أن التحديات والمخاطر جامعة، وطالما أن تداعيات أي مسار للفوضى والتقسيم في سوريا ستنعكس على الجميع عاجلاً وليس آجلاً.

Leave a Comment
آخر الأخبار