اجتماع كوانتيكو.. هل يعيد ترامب صياغة العقيدة العسكرية الأميركية؟

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – أمين سليم الدريوسي:
في أجواء مشحونة بالجدل والسرية، من المرتقب أن تشهد قاعدة «كوانتيكو» التابعة لمشاة البحرية الأميركية اجتماعاً استثنائياً يجمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير دفاعه بيت هيغسيث مع كبار القادة العسكريين من مختلف أنحاء العالم، هذا الاجتماع لن يكون حدثاً بروتوكولياً عادياً، بل خطوة غير مسبوقة تثير تساؤلات واسعة حول مستقبل وزارة الدفاع الأميركية، وما إذا كانت بصدد التحول إلى ما يشبه «وزارة حرب» في لحظة دولية بالغة التعقيد.

التوقيت الذي اختير لعقد الاجتماع لم يكن بريئاً، فالولايات المتحدة تواجه تهديداً بإغلاق حكومي بسبب الخلافات حول الميزانية، فيما تتصاعد التوترات مع الصين وروسيا وإيران، وتبقى ملفات الشرق الأوسط، من غزة إلى الإدارة الذاتية الفلسطينية، عالقة بلا حلول، وفي هذا السياق، يبدو الاجتماع وكأنه رسالة مزدوجة، أولاً، للداخل الأميركي بأن الإدارة تفرض سيطرتها على المؤسسة العسكرية وتعيد تشكيلها وفق رؤيتها، وللخارج ثانياً، بأن واشنطن تستعد لمرحلة أكثر هجومية في سياستها الدفاعية.

التوقيت كرسالة سياسية

هيغسيث، الذي يرفع شعار «روح المحارب»، بدأ بالفعل خطوات عملية لإعادة هيكلة البنتاغون، شملت تقليص عدد الجنرالات وإقالات مثيرة للجدل، مع خطاب يركّز على «الفعالية القتالية» أكثر من الردع الاستراتيجي، لكن الجديد هذه المرة هو حضور ترامب شخصياً، ما يعكس رغبته في تحويل هذا التوجه إلى مشروع سياسي شامل يتجاوز الإدارة العسكرية إلى إعادة صياغة العقيدة الدفاعية الأميركية برمتها.
غير إن هذه الرؤية لم تمر من دون اعتراضات داخلية، إذ عبّر قادة عسكريون عن قلقهم من أن الاستراتيجية الجديدة تفرط في التركيز على التهديدات الداخلية على حساب التحديات العالمية الأوسع، وأنها تضيق نطاق المواجهة مع الصين إلى ملف تايوان فقط، متجاهلة توسع نفوذ بكين في إفريقيا وبحر الصين الجنوبي، كما أثار الطابع الحزبي للخطاب، الذي يحمّل إدارة بايدن السابقة مسؤولية «إضعاف الجيش» مخاوف من تسييس المؤسسة العسكرية، التي يُفترض أن تبقى محايدة، أما الإقالات الواسعة، التي طالت عدداً كبيراً من النساء، فقد فتحت الباب أمام تساؤلات حول دوافع القرار ومعاييره.
ورغم إن الاجتماع سيركز حسب تسريبات على البنية العسكرية الأميركية، إلا أن انعكاساته على الشرق الأوسط لا يمكن تجاهلها، فغزة، التي تعيش حصاراً وانفجارات دورية، تبقى ساحة اختبار لأي استراتيجية أميركية جديدة، هل ستترجم «وزارة الحرب» إلى دعم أكبر لـ«إسرائيل» في مواجهاتها، أم إلى محاولة فرض ترتيبات جديدة تشمل الإدارة الذاتية الفلسطينية؟
غياب هذا النقاش العلني يزيد من الغموض، كذلك، فإن إرث حروب ترامب السابقة، سواء عبر الانسحابات المفاجئة أو الضربات المحدودة، يظل حاضراً، واجتماع «كوانتيكو» قد يكون محاولة لإعادة فتح هذه الملفات أو لتوحيد المؤسسة العسكرية خلف رؤية أكثر هجومية، لكن الخطر يكمن في أن هذه الرؤية قد تكون شخصية وحزبية أكثر منها استراتيجية طويلة المدى.

غزة والإدارة الذاتية

على الصعيد الدولي، لا يمكن فصل الاجتماع المزمع عقده عن التحديات الكبرى التي تواجه واشنطن، الصين تواصل تحديث جيشها وتوسيع نفوذها في آسيا وإفريقيا، وروسيا ما زالت غارقة في حرب أوكرانيا التي لم تُحسم بعد، فيما يبقى الملف الإيراني اختباراً حقيقياً لأي عقيدة أميركية جديدة.
إذا مضت واشنطن في تحويل وزارة الدفاع إلى «وزارة حرب» فإن ذلك سيعني انتقالاً من عقيدة الردع والدفاع إلى عقيدة الهجوم والهيمنة المباشرة، وهو تحول لن يمر من دون ردود فعل عنيفة من القوى الكبرى، أوروبا قد تنأى بنفسها عن هذه المقاربة، فيما سيشهد الشرق الأوسط مزيداً من الاستقطاب.

البعد الدولي والتحولات الكبرى

لكن الأخطر ربما يكمن في الداخل الأميركي نفسه، فمحاولة كسب ولاء القادة العسكريين مباشرة، بعيداً عن القنوات المؤسسية، تثير مخاوف من تسييس الجيش وتحويله إلى أداة حزبية، في بلد يقوم نظامه على الفصل بين المدني والعسكري، فإن هذا التحول قد تكون له تداعيات عميقة على الديمقراطية الأميركية ذاتها.
اجتماع كوانتيكو، إذاً، لن يكون مجرد لقاء عسكري، بل لحظة مفصلية قد تحدد مسار السياسة الدفاعية الأميركية في العقد القادم، غير إن الغموض الذي يحيط به، والطابع الحزبي الذي يطغى على خطابه، وتجاهل الملفات الإقليمية الحساسة مثل غزة والإدارة الذاتية، كلها مؤشرات على أن المشروع قد يواجه ارتباكاً داخلياً ومقاومة خارجية، فالعالم يترقب ليرى: هل نحن أمام ولادة «وزارة الحرب» فعلاً، أم أمام فصل جديد من الفوضى الاستراتيجية الأميركية في لحظة دولية لا تحتمل المزيد من الارتباك؟.

Leave a Comment
آخر الأخبار