احتفاء صامت بإجراء مؤجّل منذ عقود في سوريا.. تذليل هادئ لـ”عثرة” استثمارية واقتصادية شاملة

مدة القراءة 10 دقيقة/دقائق

الحرية – نهى علي:

بدأت خطوات جادّة على ما يبدو.. مشفوعة بتصريحات مكثفة بشأن إصلاح النظام الضريبي في سوريا، وهو الإجراء المنتظر منذ سنين – بل عقود – نظراً لقصور النظام المعمول به وعدم مواكبته لمتطلبات التحول الاقتصادي.

• د. قربي: الإصلاح المالي هو نقطة الانطلاق في عملية الإصلاح الاقتصادي سواء على صعيد الإنفاق العام بشقيه الجاري والاستثماري أو على صعيد الموارد

ويهدف الاصلاح الضريبي لزيادة معدلات النمو الاقتصادي وإحداث توازن في الموازنة العامة للدولة وفي ميزان المدفوعات من خلال ترشيد الإنفاق العام وزيادة الموارد الضريبية وتنشيط الصادرات وزيادة الاستثمارات والادخار وإعطاء دور حيوي وهام للقطاع الخاص في المساهمة في عملية التنمية وإصلاح القطاع العام، وكذلك كبح جماح الاستهلاك من خلال إلغاء الدعم وفرض الضرائب على الاستهلاك ومعالجة المشكلات الاجتماعية كالفقر والبطالة وتدني مستويات الدخل بالإضافة إلى سوء توزيعه.. هذا ما رآه الخبير الاقتصادي الدكتور فاخر قربي في تصريحه لـ”الحرية”..

• الضريبة أيضاً وسيلة لضبط استهلاك السلع والخدمات.. تقوم الدولة بتشجيع أو تقليل استهلاك سلعة أو خدمة معينة عن طريق تخفيض أو زيادة الضريبة المفروضة عليها

تعثّر..

يرى د. قربي أن بعض الدول نجحت في تنفيذ برامجها الإصلاحية، وما زال البعض الآخر يتعثر في ذلك لوجود صعوبة بالغة في التوفيق بين الأهداف المتناقضة، كترشيد الاستهلاك وضغط الإنفاق العام لمكافحة التضخم وزيادة معدلات النمو الاقتصادي ومعالجة مشكلتي البطالة والفقر في الوقت نفسه.
فالإصلاح المالي هو نقطة الانطلاق في عملية الإصلاح الاقتصادي سواء على صعيد الإنفاق العام بشقيه الجاري والاستثماري، أو على صعيد الموارد وفي مقدمتها الموارد الضريبية بشقيها المباشرة وغير المباشرة.

• التهرب الضريبي من الجرائم الاقتصادية التي فرضت جميع قوانين الضرائب في العالم عقوبات جنائية ومدنية تجاهها

بالإضافة إلى ذلك فإن اقتصاديات الدول في ظل العولمة ووجود التكتلات الاقتصادية الدولية والإقليمية ومنظمة التجارة العالمية وضرورة التعامل مع المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أصبحت أكثر اندماجاً مع دول العالم، وبالتالي فإن أنظمتها الضريبية لا يمكن أن ينظر إليها بصورة منعزلة، حيث تتسابق معظم الدول إلى تطوير أنظمتها الضريبية بحيث تكون الضريبة أداة مشجعة للاستثمارات المحلية والأجنبية، وتنشيط الصادرات من خلال مساعدة المنتجات المحلية في الصمود أمام السلع الأجنبية عن طريق إعفاء الصادرات من جميع الرسوم.

• هناك توجه عام لدى جميع الدول لدعم الاستثمار وتقديم محفزات كثيرة كالتخفيض أو الإعفاء الضريبي

منظومة أهداف حسّاسة

الضريبة هي فريضة مالية تستوفيها الدولة وفقاً لقواعد تشريعية مقررة بصورة إلزامية ونهائية، وتُفرض على المكلفين تبعاً لمقدراتهم على الدفع ولغاية توفير الأموال اللازمة لتغطية نفقات الدولة ولتحقيق أهداف مالية واقتصادية واجتماعية.
وهنا يرى الخبير قربي أن أول الأهداف من المنظومة الضريبية هو الهدف المالي.. ويتعلّق بتحقيق مورد مالي لتغطية نفقاتها العامة (الجارية والاستثمارية).
إلى جانب أهداف اقتصادية تتمثّل بتشجيع الاستثمار وتوجيهه نحو مشاريع إنتاجية، وذلك بإعفاء هذه المشاريع كلياً أو جزئياً من الضريبة.. وتوفير الحماية للصناعة المحلية بفرض ضرائب مرتفعة على السلع والبضائع المماثلة من الخارج، ثم توفير الصادرات إلى الخارج من الضريبة بشكل كلي أو جزئي، ونذكر هنا أيضاً استخدام حصيلة الضريبة في دعم القطاع الخاص لمواجهة الأزمات ولقيامه بمشاريع ذات فوائد اقتصادية واجتماعية.
من وجهة نظر د. قربي الضريبة أيضاً وسيلة لضبط استهلاك السلع والخدمات، تقوم الدولة بتشجيع أو تقليل استهلاك سلعة أو خدمة معينة عن طريق تخفيض أو زيادة الضريبة المفروضة عليها.
كما أنها وسيلة لتنظيم الإنتاج القومي، إن تنظيم الإنتاج القومي من خلال الضرائب، يكون عبر استخدام الضرائب في التحكم في الطلب على السلع والخدمات لمواجهة العرض في طرفي الرخاء أو الكساد الاقتصادي للوصول إلى أوضاع طبيعية للاقتصاد وأيضاً لكبح جماح التضخم.
في بُعد آخر ثمة أهداف اجتماعية للضريبة بشكل عام.. تتمثل بإعادة توزيع الدخول بين فئات المجتمع عن طريق زيادة الضرائب على ذوي الدخل المرتفع بتطبيق مبدأ التصاعد الضريبي على دخولهم، وبالتالي تقليل حدة التفاوت بين مستويات الدخول وتمويل الخدمات العامة من الضريبة لمصلحة الدخول المنخفضة.

• النظام الضريبي في سوريا يفتقد إلى مقومات النظام الضريبي العادل ولم يحقق سوى الهدف الأول من أهداف الضريبة ألا وهو الهدف المالي على حساب الأهداف الاقتصادية والاجتماعية

التهرب والتجنب الضريبي

أما بالنسبة للتهرب الضريبي، فيراه الخبير الاقتصادي أنه محاولة المكلف الخاضع للضريبة عدم دفع الضريبة كلياً أو جزئياً متبعاً في ذلك طرقاً وأساليب مخالفة للقانون وتحمل في طياتها طابع الغش، إلا أنه يرى أنه يجب التمييز في هذا المجال بين التهرب الضريبي التجنب الضريبي والذي يقصد به تجنب الواقعة الضريبية عن طريق امتناع الشخص عن النشاط الذي يؤدي إلى خضوعه للضريبة عن طريق الاستفادة من الثغرات القانونية وعدم إحكام صياغة التشريعات الضريبية للتخلص من دفع الضريبة حيث يستطيع المكلف أن ينفذ من إحداها ويجد لنفسه مخرجاً قانونياً يتجنب الضريبة أو يخفف من وعائها.
وهناك التجنب الضريبي الذي يُعد أمراً مشروعاً لا يؤاخذ عليها القانون، أما التهرب الضريبي فهو من الجرائم الاقتصادية التي فرضت كل قوانين الضرائب في العالم عقوبات جنائية ومدنية تجاهها.
فالتهرب الضريبي من الظواهر الشائعة في معظم دول العالم وفي مختلف العصور وإن كانت نسبته في الدول النامية أعلى بكثير من الدول المتقدمة.
يعود التهرب الضريبي لعدم اعتدال العبء الضريبي ولكنه ليس السبب الوحيد وراء التهرب الضريبي، وهناك أسباب أخرى مثل الغموض في النظام الضريبي.. و ضعف الوعي الضريبي.. وعدم عدالة النظام الضريبي… وسوء استخدام حصيلة الضرائب.. ثم عدم كفاءة الإدارة الضريبية.. وضعف الجزاء على المتهربين.. ثم فقدان المرونة في تطبيق النظام الضريبي.. إضافة إلى فقدان الثقة بين الدوائر المالية والمكلف.

آثار ..

هناك آثار سلبية على الاقتصاد الوطني وعلى المجتمع نتيجة ظاهرة التهرب الضريبي، يجملها د. قربي بتخفيض حصيلة الموارد العامة وبالتالي اللجوء إلى اتباع سياسة مالية من شأنها تقليص حجم النفقات العامة، وهذا يؤدي إلى انخفاض الاستثمارات من جهة وتدني مستوى الخدمات التي تقدمها الدول من جهة أخرى.
ورفع سعر الضرائب الموجودة أو فرض ضرائب جديدة لتعويض الحكومة عن نقص الحصيلة الناتج عن التهرب.
واضطرار الحكومة لتغطية العجز المالي عن طريق الإصدارات النقدية أو الحصول على قروض داخلية أو خارجية وهذا يؤدي بدوره إلى خلق مشكلة تتعلق بسداد القروض وفوائدها.
والإخلال بقاعدة العدالة الضريبية بحيث يتحمل عبء الضريبة المكلفون الذين لا يستطيعون التهرب منها وينجو منها آخرون حسب مراكز قواهم.
ثم الضرر الأخلاقي لانتشار الفساد وانعدام الأمانة.

محفزات..

يلفت الخبير الاقتصادي إلى أن هناك توجهاً عاماً لدى جميع الدول لدعم الاستثمار وتقديم مخفزات كثيرة كالتخفيض او الإعفاء الضريبي.
وقد أصدرت بعض الدول قوانين تشجيع الاستثمار منها ما اعتمد على الإعفاء الجزئي، أي نسبة من الإيراد، ومنها ما اعتمد على الإعفاء الكلي لمدة محدودة، وقد راعت هذه القوانين المناطق التنموية في هذه الإعفاءات، وأدخلت عدة تعديلات على هذه القوانين لمعالجة الثغرات التي ظهرت خلال التطبيق.

تعويل..

ما زلنا نعوّل في سوريا – وفقاً لقربي –  على  تعديل قانون الاستثمار ليشكل بيئة حاضنة وجاذبة للاستثمارات، كونه تصل فيها المقدرة التكليفية للدخل القومي في سورية والتي بلغت عام 1998 16.21% من الناتج المحلي الإجمالي تعد طبيعية وأن أي محاولة لزيادتها في ظل معدلات نمو الناتج القومي الحالي وانخفاض نصيب الفرد من هذا الناتج وسوء توزيع الدخل القومي لصالح فئات أصحاب عوائد حقوق التملك على حساب ذوي الدخل المحدود سوف يؤدي إلى المساس بحد الكفاف لذوي الدخل المحدود وسوف تمس بالاعتبارات الاجتماعية لهذه الفئات وتترك آثاراً سيئة على الاقتصاد القومي حيث تدفع إلى زيادة الركود الاقتصادي، وتدني الاستثمارات وبالتالي الإنتاج وتفاقم مشكلة البطالة وغير ذلك من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.

ضرائب نوعية..

يعتمد النظام الضريبي السوري النافذ حالياً في سورية على نظام الضرائب النوعية وعلى المطارح المتعددة، وهو في هيكله العام وليد تشريعات عديدة وضعت موضع التنفيذ خلال ظروف مختلفة خلقت في بنياته في كثير من الحالات، تبايناً واضحاً سواء من الوجهة الفقهية البحتة أو من جهة أساليب التطبيق في الطرح وإجراءاته وجباية الضريبة.
ويتكون النظام الضريبي الحالي من مجموعة من الضرائب النوعية (ضرائب ورسوم مباشرة وغير مباشرة) تتناول مطارح متعددة صدرت بصكوك تشريعية قديمة متلاحقة ومتعددة، ويعود بعضها إلى ما يزيد على (40-50) عاماً، ولم تواكب التطورات والتغيرات التي حدثت في بنية الاقتصاد السوري.

غياب العدالة..

يعتبر د. قربي أن النظام الضريبي في سوريا يفتقد إلى مقومات النظام الضريبي العادل وأهمها: العدالة- الملاءمة- الوضوح- الاقتصاد في نفقات الجباية ولم يحقق سوى الهدف الأول من أهداف الضريبة ألا وهو الهدف المالي على حساب الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، إذ تم تغليب الاعتبارات الخاصة بمصلحة الخزينة على غيرها من اعتبارات العدالة والكفاءة، وذلك على الرغم من الإعفاءات الكبيرة التي أعطيت للاستثمارات في كل المجالات الاقتصادية (زراعة- صناعة- نقل- سياحة) بموجب قوانين الاستثمار المختلفة، إلا أن آثار تطبيق هذه القوانين السلبية كانت أكثر من إيجابياتها وبخاصة ما تعلق منها بقطاع النقل.

Leave a Comment
آخر الأخبار