الحرية ـ سامر اللمع:
لا يختلف اثنان على أن السياسة والاقتصاد هما صنوان لا يفترقان، فلا اقتصاد مزدهر دون سياسة خارجية متوازنة، ودون علاقات دبلوماسية فاعلة تؤسس لنمو اقتصادي حقيقي يُبنى على أسس راسخة.
في الحالة السورية الراهنة، حيث تخلصت البلاد من أعتى نظام فاسد عرفته المنطقة ـ قام بنهب المقدرات السورية عبر منظومة فساد متكاملة أنتجت دماراً في بنية الاقتصاد السوري تحتاج إلى جهود جبارة لترميمها وإعادتها إلى مصاف الدول المتقدمة على جميع الصعد ـ فهنا تبرز الحاجة الماسة وضرورة ما يلزم لمعالجة الجروح والندوب العميقة التي أصابت الاقتصاد السوري.
وعلى ذلك، جاء وعي القيادة السورية ممثلة بالسيد رئيس الجمهورية أحمد الشرع وأعضاء حكومته لأهمية ربط وتسخير العمل السياسي لتمهيد الأرضية اللازمة لبناء اقتصاد سوري على أسس صلبة متوازنة بر الأمان الاقتصادي وتعيد لسوريا دورها المتميز كلاعب مهم على المستويين السياسي والاقتصادي بين الدول العربية والعالمية.

المشاركة السورية
بناءً على ما سبق، تأتي المشاركة السورية الرفيعة في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار «FII» ما بين 27 ـ 30 تشرين الأول، وذلك بدعوة كريمة من المملكة العربية السعودية، حيث يترأس فخامة الرئيس أحمد الشرع وفداً سورياً رفيع المستوى يضم وزراء الخارجية والاقتصاد والصناعة والمالية والاتصالات والطاقة وكبار المسؤولين والخبراء الوطنيين للمشاركة في النسخة التاسعة من مبادرة مستقبل الاستثمار «FII» ـ إحدى أبرز المنصات العالمية للابتكار والاستثمار والتعاون الدولي.
وتُعد هذه المشاركة بمثابة خطوة إضافية لعبور سوريا الرسمي إلى النهضة الاقتصادية الإقليمية، فيما تطوي البلاد صفحة الصراع لتفتح صفحة الإعمار والتحول المستدامة والنمو القائم على رؤية مستقبلية.
ويجري الرئيس الشرع زيارة عمل اليوم الثلاثاء إلى السعودية لحضور فعاليات المبادرة الاقتصادية، ومن المقرر أن يلقي كلمة في المؤتمر، كما سيجتمع مع كبرى الشركات الاستثمارية والمؤسسات الاقتصادية العالمية.
كما بدأ الوفد الوزاري والتقني السوري، الذي وصل أمس الاثنين إلى السعودية، إجراء لقاءات مع كبار المستثمرين العالميين والشركات الرائدة والمؤسسات المالية الكبرى لبناء مسارات استثمارية في قطاعات البنية التحتية والإسكان والطاقة والصحة والتكنولوجيا والصناعات المستدامة.
لقاء الشرع – بن سلمان
على الرغم من الطابع الاقتصادي لمؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (FII)، فإن القيادة السورية تعمل على تكريس هذه الفرصة لتعزيز العلاقات السياسية مع المملكة العربية السعودية، إذ من المقرر أن يلتقي الرئيس أحمد الشرع خلال الزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين الشقيقين، وخصوصاً فيما يتعلق بمجالات الاستثمار والتعاون الاقتصادي، إضافة إلى مناقشة المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
اللقاء المقرر بين الشرع والأمير محمد بن سلمان هو الثاني بعد تقلد الرئيس الشرع السلطة في سوريا، حيث استضافت الرياض في أيار/ مايو الماضي اجتماعاً تاريخياً بين الزعيمين جمعهما والرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أشاد بالرئيس الشرع، ووعد برفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا في فترة حكم النظام البائد للمساعدة في منح البلاد فرصة لإعادة الإعمار.
إعادة الإعمار
يُقدّر البنك الدولي تكلفة إعادة الإعمار في سوريا بنحو 216 مليار دولار. لهذا ترى القيادة السورية أن لمؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار أهمية استثنائية وفرصة يجب استغلالها لإطلاق عجلة إعمار سوريا.
وسيخاطب الرئيس الشرع، الذي حث القوى العالمية مراراً على الإسهام في إعادة الإعمار، مجموعة من الشخصيات الاقتصادية والسياسية البارزة في المؤتمر الذي يشارك فيه زعماء ورؤساء دول وكبار المستثمرين وصناع القرار تحت شعار “مفتاح الازدهار”، ومن المتوقع أن يستقطب أكثر من 8 آلاف مشارك، و650 متحدثاً بارزاً من خلال 250 جلسة حوارية بهدف استثمار الإمكانات التقنية والاقتصادية في بناء مستقبل مزدهر ومستدام للإنسانية.
المشاركة السورية في مبادرة مستقبل الاستثمار 2025 تؤكد أن عملية الإعمار لم تعد مجرد خطة على الورق، بل أصبحت حركة واقعية جارية.
وهنا تبرز الحاجة لتبني البنية التحتية الذكية والحكومة الرقمية والتكامل الإقليمي، بما يضمن أن يسهم كل استثمار في تعزيز السيادة الوطنية وخدمة مصلحة الشعب السوري. ويسعى الفريق الحكومي المشارك في اجتماعات الرياض لتأسيس شراكات جديدة ومشروعات حقيقية وتغييرات ملموسة على أرض الواقع.