استهداف كنيسة مار إلياس في الدويلعة.. الصدمة والأسئلة الصعبة

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

ما زال تفجير كنيسة مار إلياس، في منطقة الدويلعة، يهز قلوب السوريين ويضغط بإلحاح على وعيهم الجمعي ويدفعه باتجاه الأسئلة الصعبة التي تتعدد وتتمدد وتتوالى من دون أن تكون لها أجوبة شافية، أقلّه في الوقت الحالي. ورغم أن السؤال الأساسي يتركز على المخططين وما الذي يريدونه من وراء هذا العمل الإرهابي، على المديين القريب والبعيد، إلا أن السؤال الحالي والملح بصورة رئيسية لدى السوريين يتركز فيما إذا كانت الأيام المقبلة ستشهد تفجيرات مماثلة تطول كنائس أخرى، وذلك إذا ما أخذنا بالحسبان أن الدوائر الإرهابية تدور على مجمل مكونات الشعب السوري. صحيح أنها حتى الآن لم تحقق الأهداف الخبيثة من ورائها- وعلى رأسها ضرب اللحمة الوطنية من جهة، وتخريب مسار الثقة بين المواطنين والدولة من جهة ثانية – إلا أنه لا يجب الركون إلى هذه الحالة، فعلى المدى الطويل يمكن أن تكون هناك تداعيات لا تحمد عقباها.

هذا التفجير تتمثل خطورته في أريعة مستويات:

– الأول في كونه يستهدف عملية التموضع السياسي/ الاقتصادي الجديد الذي تعمل عليه الدولة، وقطعت به أشوطاً مهمة وبفترة قياسية مشهودة. ولأن هذا التموضع هو في جزئه الرئيس خارجي في سياقه الغربي (الأمريكي- الأوروبي) فإن هذا التفجير أراد الضرب في مقتل باستهدافه أحد مكونات الشعب السوري (أي أحد أقلياته) وبما يجعل الغرب أكثر حذراً، أو لنقل أكثر تردداً في عملية الانفتاح على القيادة السورية الجديدة. ويمكن القول إن هذا الهدف الخبيث لم يتحقق حتى الآن، وليبقى الحال كذلك لا بد من استمرار العمل الدؤوب للمؤسسات المعنية لضرب الإرهابيين في كل مكان على الأرض السورية.

– المستوى الثاني يتركز في كون هذا التفجير الإرهابي يعيد السوريين إلى حالة الصدمة واللااطمئنان، بعد فترة من حالة استقرار وأمن نجحت الدولة في إرسائها، واستطاع السوريون خلالها- إلى حد كبير- ترميم الفجوات الأهلية/المجتمعية التي ظهرت عقب سلسلة أحداث أمنية، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية فإن حالة الاستقرار شهدت نجاحات مهمة للدولة على صعيد عملية التموضع السياسي والاقتصادي آنفة الذكر، وعلى صعيد ترميم الصورة الخارجية لسوريا واستعادة علاقاتها مع معظم الدولي العربية، وعلى المستويين الإقليمي والدولي.. وعليه انطلقت سوريا في خطوات داخلية أكثر قوة وثقة، وآخرها انتخابات مجلس الشعب التي يتم التحضير لها حالياً.. وتالياً فإن هذا التفجير يستهدف ضرب هذه الخطوات وإلحاق أكبر ضرر بها، بما يدفعها للتوقف أو التأجيل، أو اشغال الدولة بها وبما يجعل نتائج هذه الخطوات ناقصة أو ليست على المستوى المطلوب.

– المستوى الثالث يتركز في هدف ضرب عملية التعافي المجتمعي، ومعها عملية التعافي السياسي والاقتصادي، فسوريا عملياً لا تزال في مرحلة انتقالية صعبة. وبعض مستويات هذا الانتقال لا تزال هشة، بمعنى حساسة تجاه أي حدث أمني، ولا يخفى على أحد أن عملية التعافي الأمني ما زالت غير مكتملة وما زالت تنطوي على الكثير من الثغرات الأمنية، وهذا أمر طبيعي على قاعدة التحول الكبير الكلي الذي تشهده سوريا، وهي عملية يتشابك بها الداخل مع الإقليمي، فعندما نتحدث عن تنظيم داعش الإرهابي فنحن نتحدث عن مستويين داخلي وإقليمي.. وعليه فإن مهمة الدولة معقدة جداً وتحتاج وقتاً كما تحتاج ترتيبات وتفاهمات على مستوى الجوار (الحال نفسه عندما نتحدث عن جهات متطرفة وخطاب متطرف يكسر الهوية السورية الجامعة ويلعب على وتر الدين والإيديولوجيات).

– المستوى الرابع يتركز في «الأسئلة الصعبة» التي يطرحها هذا التفجير الإرهابي (كغيرها من تفجيرات وأحداث أمنية شهدتها سوريا في الأشهر الماضية). صحيح أن معظم السوريين يعرفون ويتفقون على الأهداف الحقيقية من وراء هذا التفجير الإرهابي، والاستهداف لأحد المكونات السورية، إلا أن الأسئلة الصعبة لا تتركز هنا بل في أسئلة أخرى تتعلق بالأيام المقبلة وما إذا كانوا سيشهدون تفجيرات مماثلة، وما إذا كان بإمكان الدولة منع تفجيرات مماثلة؟

بمعنى آخر؛ الاسئلة لا تتعلق بمن نفذ وإلى أي جهة ينتمي، وكيف تمكن من التنفيذ؟.. بل في أسئلة المستقبل وما إذا كانت سوريا الجديدة ستتمكن من إنجاز عملية التعافي نحو استقرار وأمان مستدام، أساسه السلم الأهلي والهوية الوطنية الجامعة.

من هذه الأسئلة يأتي الهدف الأكثر خطراً وخبثاً والمتعلق بالتشكيك بالدولة وضرب الثقة بها، أي التشكيك في شرعيها وكفاءتها في الإدارة والحكم.

كثير من المعلقين والمحللين ركزوا على أن تفجير كنيسة مار إلياس لم يفاجئهم بقدر ما أكد مخاوفهم لناحية الثغرات الأمنية التي لاتزال قائمة. صحيح أن الدولة تعمل لاحتوائها وإغلاقها بصورة نهائية، ولكن حتى تتمكن من ذلك فإن الأيام المقبلة قد تشهد تفجيرات إرهابية مماثلة.

 

لكن هذا التفجير الإرهابي هو في جانب منه، عمل على تنبيه الأجهزة الأمنية التي استنفرت على قدم وساق في سبيل ملاحقة المخططين ومنع تفجيرات مماثلة، وهي مستنفرة بطبيعة الحال، ومتأهبة للتعامل مع كل الحوادث الأمنية من كل نوع.

حتى كتابة هذه السطور ما زالت الإدانات تتوالى لهذا التفجير الإرهابي، وتؤكد الدعم والمساندة للدولة السورية. لكن ما نود قوله أخيراً هو أن السوريين بطبيعتهم هم أهل وطنية وتعاضد، يعيشون حياتهم اليومية ببساطة، ويمارسون طقوسهم وعاداتهم وهواياتهم في جو من الألفة والمحبة والثقة، وعلى قاعدة احترام الآخر وطقوسه وعاداته، وهم سيبقون كذلك، رغم المخاطر والمخاوف التي يمكن في بعض منعطفاتها أن تشكك وتزعزع، لكنها في الوقت ذاته تشد العزيمة وتقويها.

Leave a Comment
آخر الأخبار