اشتعالات المعنى للكاتب أحمد هلال.. رهان على الاستجابات الجمالية للقارئ

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – ميسون شباني:

جملة من المقاربات المعرفية والجمالية ينطوي عليها كتاب “اشتعالات المعنى” للكاتب والأديب أحمد هلال يخوض بين حقلي الرواية والقصة القصيرة من أجل رصد أفضليتهما الثقافية والإبداعية بأدوات ونهج يبنون رؤيته من داخل النصوص المختارة لروائيين ومبدعين على امتداد الساحة العربية بغية رصد السياقات الثقافية التي أنتجت إبداعهم، ويتحدث الكتاب عن مقاربات نقدية تتوسل إنتاج المعنى العميق في القراءة وفسح المجال للنقد لأن يكون ممارسة إنتاجية لعلها تقترب من مغزى النقد الثقافي بوصفه طريقة في التحليل.
يركز الكاتب في منجزه الجديد على فكرة البحث عن المعنى كهاجس جمعي بقدر ما هو فردي، ومن شأن القارئ أن يؤلفه بوعيه وذائقته ويحدد مدى استجابته للنص النقدي من أجل خلق جدلية ما بين النقد والإبداع من جهة وما بين النص النقدي والقارئ من جهة أخرى.
يؤكد موضوع الكتاب على إنتاج المعنى العميق في القراءة وكيف يمكن الغوص بالعمق الذي تتناوله، كما يذهب “اشتعالات المعنى” بوصفه كجامع لاختيارات بين قراءات لأعمال روائية ودراسات نقدية مكثفة لكل منها خصوصية لا تنفي الانتماء إلى الفضاء الثقافي العام، وتبدو دلالة التشكيل ضمن إنتاج المعنى الذي يؤلفه القارئ بمستوياته كلها، سواء القارئ العام أو المحتمل أو الافتراضي كاتجاه السيميائي “أمبرتو ايكو”، وعليه تبنى أفعال القراءة بالمعنى الجمعي لاختيارات الكتاب، ليقف ذلك القارئ في مواجهة النص النقدي كمرايا طليقة تحرر المعنى المنشود تأملاً واستبطاناً وحكماً، ولعله أحياناً يبني ذائقة ومعرفة مختلفة، وثمة دلالة إضافية للتشكيل هي العلاقة بين القارئ والنص النقدي مخففة قدر الإمكان من وعورة المصطلحات والمدارس والتيارات رغم أهميتها، بحيث يمتلك القارئ مفاتيح القراءة تشكيلاً لوعي مضاف ومعرفة متجددة.
ويؤكد الكتاب على أن القراءة هي ممارسة معرفية بامتياز قبل أن تذهب إلى استظهار النقد مجرداً، بمعنى أن الذهاب إلى النصوص الإبداعية لاسيما الروائية منها كما القصصية من يفرض منهح القراءة وآلياتها بطريقة إبداعية، الرهان هنا على ما يجعل من المعنى مرايا طليقة تتكامل فيها تلك الجدلية الأثيرة ما بين النص والعالم، بعد تجنيسه الإبداعي للوصول إلى ما هو مختلف ومدهش في عالم القراءة.
ويشرح الكتاب بتفاصيله عن إمكانية اكتمال المعنى بالنقد والإبداع كمحاولة لتقريب وجهات النظر المحتملة للنص النقدي، وتذهب دراسات كثيرة على المستوى العربي والغربي، لجعل النص النقدي بعيداً عن مراياه المقعرة أو المسطحة، بما يعني الرهان على الاستجابة الجمالية للقارئ والتي من شأنها أن تتطور لاحقاً إلى استجابة معرفية تقوم على نوع من العلاقة الإبداعية مع النص النقدي بعيداً عن وعورته، أو ضبابيته، أو التباس مصطلحاته ليتمكن المتلقي من استقبال ذلك النص والعمل على اتساق إشاراته ورؤية محمولاته الدلالية بوعي آخر، لعله يشكل قيمة مضافة للنص بعيداً عن صاحبه، ففي القراءة الفاعلة والإجرائية ينفصل النص عن كاتبه ليظل في مواجهة القراء المتعددين مرجعيات وذوائق وخبرات جمالية، تلك هي جدلية القارئ والنص بعد نفاد دور الوسيط، أي الناقد وسلطته الحاكمة على النصوص، ومن أجل متعة منشودة تجلو الأثر الفني وتضيف له.
ويشرح الكتاب عن ضرورة وجود المسافة الفاصلة بين النقد والجدل، فالمعنى يكتمل في العلاقة ما بين النقد والإبداع، شريطة نهوض القارئ بدوره وهي مسألة جدلية بامتياز، تلك طبيعتها لكنها لا تتطير من وعي صيرورة النص عبر تشكيلاته المختلفة، كما صيرورته في وعي القراءة بوصفها انتقالاً بين عدة ممكنات، لتعطي قيمتها ودالّها الفاخر، كما هو طموح النقد في أطواره المختلفة، فالقارئ أو تعدد القراء هو ما يردم المسافة بين الناقد ونصه النقدي، وهذا ما ينشده كتاب “اشتعالات المعنى” ليتعدد تأويل النصوص النقدية في مرايا التلقي، وممكنات الوعي بالإبداع على نسبيتها وحقيقتها مثل غواية آسرة وأثيرة في آن معاً، لا سيما في روايات بعينها.
اشتعالات المعنى؛ صدر مؤخراً عن دار توتول للطباعة والنشر والتوزيع، يتكون من ١٣٥ صفحة من القطع المتوسط.

Leave a Comment
آخر الأخبار