الحرية- إلهام عثمان:
يُعد الفصام (Schizophrenia) اضطراباً دماغياً شديداً ومزمناً، يلقي بظلاله على حياة ما يقارب 24 مليون شخص حول العالم، أي ما يعادل شخصاً من كل 300 فرد. هذا الاضطراب وفقاً لبعض الدراسات، والذي غالباً ما يساء فهمه، حيث يتسبب في انفصال المريض عن الواقع، مؤثراً بشكل جذري على طريقة تفكيره وشعوره وسلوكه.
ورغم تحدياته، فإن التشخيص المبكر والخطة العلاجية المتكاملة التي تجمع بين الأدوية والدعم النفسي والاجتماعي، تفتح أبواب الأمل نحو السيطرة على الأعراض وتحسين جودة الحياة بشكل ملحوظ.
المنصور: الرجال والنساء يتأثرون بالمرض بشكل متساوٍ تقريباً، لكن الفروقات تظهر في توقيت الإصابة
من هم الأكثر عرضة للإصابة؟
وفي حوار لـ”الحرية” مع الاختصاصية النفسية علياء المنصور حول الأشخاص الذين هم أكثر عرضه لهذا الاضطراب، اوضحت أنه لا يمكن تحديد شخص بعينه كهدف مؤكد للفصام، لكن هناك عوامل تزيد من احتمالية ظهوره بشكل واضح، و أن الرجال والنساء يتأثرون بالمرض بشكل متساوٍ تقريباً، لكن الفروقات تظهر في توقيت الإصابة، لافتة إلى أن المرض يميل للظهور لدى الرجال في مرحلة عمرية مبكرة، وغالباً بين 18 و 25 عاماً، بينما يظهر لدى النساء في سن متأخرة نسبياً، بين 25 و 35 عاماً.
كما يلعب العامل الوراثي دوراً محورياً؛ حيث يرتفع خطر الإصابة إلى 10% إذا كان أحد الوالدين أو الإخوة مصاباً، وتقفز هذه النسبة إلى 50% في حالة التوائم المتطابقة، بالإضافة إلى ذلك، تزيد عوامل أخرى من هذا الخطر، مثل التعرض لصدمات نفسية حادة في الطفولة، أو مضاعفات أثناء الحمل والولادة، أو تعاطي المخدرات في سن المراهقة.
تفصل المريض عن عالمه
وهنا أشارت المنصور إلى أن أعراض الفصام تتنوع وتظهر بشكل مختلف بين المرضى، لكنها تجتمع في إحداث شرخ بين المريض والواقع. وتنقسم بشكل أساسي إلى الهلوسة وهي تجارب حسية غير حقيقية، وأكثرها شيوعاً كسماع أصوات لا يسمعها الآخرون، أو ظهور لأوهام مثل معتقدات راسخة وخاطئة لا تتزعزع بالحقائق، كالشعور بالاضطهاد أو امتلاك قدرات خارقة، أيضاً اضطراب بالتفكير والكلام حيث يجد المريض صعوبة بالغة في تنظيم أفكاره، ما يجعل كلامه غير مترابط أو صعب الفهم.
الأعراض السلبية
وعن أعراضه السلبية أضافت المنصور أنها تتمثل في الانسحاب الاجتماعي، وفقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية، ومحدودية التعبير عن المشاعر، ما قد يؤثر بشكل كبير على قدرته على التفاعل مع محيطه.
خيوط متشابكة
كما أكدت المنصور أن السبب الدقيق للفصام لا يزال غير معروف، لكن الأبحاث ترجح أنه نتاج تفاعل معقد بين الاستعداد الوراثي وعوامل بيئية، حيث يعتمد التشخيص على تقييم شامل من قبل طبيب نفسي متخصص لاستبعاد أي أسباب أخرى محتملة للأعراض.
أما رحلة العلاج، فهي طويلة وتتطلب التزاماً، هذا ما بينته المنصور وتجمع بين: الأدوية المضادة للذهان للسيطرة على الأعراض مثل الهلوسة والأوهام، إضافة للعلاج النفسي كالعلاج السلوكي المعرفي، الذي يساعد المريض على فهم أنماط تفكيره وتطوير مهاراته الاجتماعية، مشددة على دور الدعم الاجتماعي والأسري الذي يلعب دوراً حيوياً في مساعدة المريض على الاندماج مجدداً في المجتمع، حيث أن التعامل مع مريض الفصام يتطلب حكمة وصبراً وفهماً عميقاً لطبيعة مرضه. فالمريض لا يختلق الأعراض، بل يعاني من خلل حقيقي في كيمياء الدماغ.”
وصايا للأسرة والمحيطين
ومن الوصايا تشجيع المريض بلطف على الالتزام بالعلاج و المتابعة الدوائية ضرورية لمنع الانتكاسات، كما حذرت من اللوم والنقاشات الحادة حول أوهامه، فالجدال لن يغير من قناعاته الراسخة بل قد يزيد من توتره، مع التركيز على مدحه في إنجازاته الصغيرة لتعزيز ثقته بنفسه، و تشجيع المريض على ممارسة أنشطة بسيطة ومحببة له كالرياضة الخفيفة أو الاستماع للموسيقا الهادئة.
يلعب العامل الوراثي دوراً محورياً حيث يرتفع خطر الإصابة إلى 10% إذا كان أحد الوالدين أو الإخوة مصاباً
كما حذرت المنصور من تجاهل حديث المريض عن إيذاء نفسه، و أنه يجب احترام رغبته في الانعزال أحياناً، مع تشجيعه بلطف على المشاركة دون ضغط.
ومن الجدير بالذكر أن العديد من الشخصيات التاريخية والمعاصرة، مثل عالم الرياضيات جون ناش الذي خُلّدت قصته في فيلم “A Beautiful Mind”، قد عاشوا مع هذا الاضطراب، ما يثبت أن التعايش والنجاح ممكنان.