ظاهرة بدأت تتسلل إلى مدارسنا.. اعتداء الطلاب على المعلمين مؤشر على خلل عميق في العلاقة التربوية داخل المدرسة والمجتمع

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية -دينا عبد:

تتناقل صفحات الفيس بوك بين فترة وأخرى مقاطع مصورة بالفيديو لظواهر مختلفة من العنف المدرسي واعتداء الطلاب على معلميهم، والجديد في ذلك عدم الاكتفاء بالاعتداء اللفظي أو الجسدي على المعلم بل وتخريب ممتلكاته (تكسير سيارته الخاصة وأذيته النفسية وغير ذلك).

بالصوت والصورة

يقول نادر(مدرس): الاعتداء على المعلمين لم يعد في خانة الحالات الفردية بل ظاهرة نشاهدها بـــ«الصوت والصورة»، ويتناقلها الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي من باب التفاخر برجولة أبنائهم، وهي مرتبطة بغياب التربية في المنزل، وانحدار مستوى التعليم والنظرة إلى المعلم.

غير أخلاقية

أما هيا( معلمة ابتدائي) فترى أنها ظاهرة غير أخلاقية وغير حضارية على الإطلاق، وتثير القلق على مستقبل القطاع التعليمي، قائلة: إننا بتنا نشاهد ونسمع عن حالات اعتداء على المعلمين من قبل طلابهم وخاصة المرحلة الثانوية فالمعلم مهنة مثل بقية المهن، يكد ويتعب من أجل لقمة العيش، إلى أن يأتي طالب غير مسؤول يؤذيه ويحمّله تكاليف مالية وأعباء إضافية نتيجة تكسير وتحطيم ممتلكاته، أو أن يعتدي عليه بالضرب، دون أن يعي أن المعلم بمثابة أب يزوده بالمعرفة والقيم والأخلاق.

البداية من التخطيط

مراسلة الحرية سألت خبيرة التوجيه والإرشاد النفسي والاجتماعي مي برقاوي: كيف نحمي الكوادر التربوية من إساءة الطلاب للمعلمين وخاصةً مع صدور قرار وتعميم من وزارة التربية بمنع الكادر التدريسي من أي اعتداء لفظي أو جسدي على الطلاب؟
فأجابت: لعل معالجة الموضوع تبدأ من التخطيط التربوي والمستمر للمدرسة وخاصةً في مواجهة مشكلات الطلاب من جهة والمعلمين من جهة أخرى.

برقاوي: للأهل الدور الأكبر في مواجهة سلوكيات أبنائهم الخاطئة

وأهم ما في التخطيط التربوي في هذا الموضوع مسألة العقاب، وهو أن تكون هناك رؤية تربوية للمدرسة وتطبيقها ودمجها مع مبادئ وحقوق الإنسان المتعارف عليها دولياً، واعتمادها في حل النزاعات والتسامح أياً كانت النزاعات سواء بين الطلبة مع بعضهم، أو بين الطلبة والمعلمين.
هذه الرؤية بمثابة مدونة السلوك الإيجابي الذي يحكم العلاقة والتعامل بين الأطراف جميعاً في المدرسة، مبينة أنه من الضروري على المدرس التواضع والتنازل عن المفاهيم القديمة، فكلمة عقاب في التربية الحديثة المتماشية مع حقوق الطفل وحقوق الإنسان ألغيت كمعنى وكمفهوم، كان يظن المعلم أنه يفيد في تعديل سلوك الطالب أو في رفع مستوى التحصيل الدراسي لديه، بل على العكس لا يعطي نتائج إيجابية على السلوك ولا على التحصيل، إنما يولد عند الطالب مشاعر الكره والعدائية للمعلم والمدرسة، ويمكن أن يكون السبب المباشر للتسرب المدرسي عند الطلبة.

دور الأهل

بالنسبة لأهل الطالب فلهم الدور الأكبر ( بحسب برقاوي) في مواجهة سلوكيات أبنائهم الخاطئة والمسيئة للمعلم، من خلال الاهتمام بأنفسهم وبتثقيفها وتعاونهم مع المدرس والمدرسة في حل المشكلات المتعلقة بأبنائهم وتعزيز المناعة لديهم ضد أشكال انتهاك القواعد السلوكية الإيجابية والقوانين المدرسية الناظمة للضبط المدرسي.

تعاون مع المرشد التربوي

ونوهت برقاوي بأهمية تعاون الأهل مع برنامج الإرشاد النفسي والاجتماعي في المدرسة والذي أصبحت له مساحة كبيرة في العمل التربوي، سواء لحل المشكلات التربوية، أو أنشطة الدعم النفسي التي تهدف إلى النمو النفسي والاجتماعي والوجداني والانفعالي، والتواصل المستمر معهم.
وهذا المطلب يستدعي وضع آليات وأنشطة من قبل الإدارة المدرسية
والمعلمين والطلبة والأهالي وبعض من خبرات المجتمع المحلي، لتبادل الآراء والأفكار التي تسهم في ضبط سلوكيات الطلاب ومساندة المعلمين لتكريس الحقوق والواجبات لكل منهم.

مسؤولية المعلم نحو الطالب

ولفتت برقاوي إلى أن مسؤولية المعلم نحو الطالب مهمة جداً في إعداده للحياة عن طريق تنمية طاقاته ومعارفه والتكيف مع محيطه الاجتماعي، ومن الناحية الأخلاقية يجب تنمية الحس الأخلاقي للمتعلم والقيم والحب والتسامح.
فالمعلمون أيضاً بحاجة إلى الدعم والمساندة والاحترام والحب والشعور بالأمان والتقدير لعطائه بالتشجيع والمكافأة، وتفهم وضعه الاجتماعي والتحديات التي يواجهها في العمل وفي الحياة ومساعدته في تذليلها، فكما يحتاج الطالب إلى مدرسة آمنة وجاذبة ومحفزة، كذلك المعلم يحتاج إلى مدرسة آمنة تحفظ حقوقه باستثارة كل الأدوات والطرق التي تحفظ له هذه الحقوق ومن منطلق إنساني بحت.

العمل التربوي حلقة متكاملة

التكامل يأتي من التشاركية في العمل لمقومات مهمة ،أساسية، إدارة المدرسة، الكادر التدريسي، الطلاب، أولياء الأمور، والمجتمع المحلي، ومن دون هذا التكامل لايمكن لأي مدرسة تحقيق أهدافها وحل مشكلاتها.

نتيجة تراكمات متعددة

الاختصاصية التربوية والاجتماعية د. يارا أحمد بيّنت في حديثها لـ”الحرية”، أنه في السنوات الأخيرة بدأت تتسلل إلى مدارسنا ظاهرة جديدة، لكنها تحمل في طياتها قلقاً كبيراً لكل من يهتم بالتربية والتعليم، ظاهرة الاعتداء على المعلمين من قبل بعض الطلاب، لكنها لم تعد حادثة عابرة تروى في الهامش بل أصبحت مؤشراً على خلل أعمق في العلاقة التربوية داخل المدرسة والمجتمع على حدّ سواء.
فحين يرفع الطالب صوته أو يمد يده على معلمه، فإننا لا نتحدث عن سلوك عدواني لحظي فقط، بل عن تحول ثقافي وتربوي يمس القيم التي تربينا عليها جميعا،ً قيم الاحترام والتقدير والهيبة للمعلم الذي كان يلقب يوماً بـصاحب الرسالة.

د. أحمد: احترام المعلم قيمة عليا لا نقاش فيها

ومن خلال متابعتي كاختصاصية اجتماعية تربوية (تردف أحمد)، أرى أنّ هذه الظاهرة هي نتيجة تراكمات متعددة تبدأ من البيت قبل المدرسة، فالكثير من الأسر اليوم نتيجة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية لم تعد تتابع أبناءها كما يجب، وبعضها للأسف صار يتعامل مع المعلم وكأنه خصم للطالب لا شريك في تربيته هذا الموقف المنزلي المتهاون أو المساند للخطأ يشجع الطالب على التمادي ويضعف سلطة المربي في عينيه.

تشويه صورة المعلم

إضافة إلى ذلك فإن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً كبيراً في تشويه صورة المعلم فأصبحنا نرى مقاطع تظهر المعلمين بشكل ساخر أو مهين، ما رسخ لدى بعض الطلبة فكرة أن المعلم يمكن أن يهاجم أو ينتقد بلا حدود هذا التراجع في المكانة الاجتماعية للمربي انعكس مباشرة على سلوك الطلاب في الصفوف الدراسية.

منع العنف

ولا يمكن أن نتجاهل القرارات التربوية الحديثة التي منعت العقوبات الجسدية واللفظية في المدارس، وهي قرارات سليمة من حيث المبدأ لأنها تنسجم مع التربية الحديثة القائمة على الاحترام والحوار، لكن الإشكالية أن هذه القرارات لم ترفق ببدائل تربوية واضحة تمكّن المعلم من ضبط السلوك الطلابي بطريقة فعالة دون اللجوء إلى العنف، فبعض الطلاب أساؤوا فهم المنع على أنه رفع للسلطة التربوية عنهم فتحولت الحرية إلى فوضى وحقوق الطفل إلى وسيلة لتبرير السلوك الخاطئ.
إنّ معالجة هذه الظاهرة، برأي أحمد، لا تكون بردود الفعل أو العقوبات المؤقتة بل تحتاج إلى مقاربة شاملة تعيد التوازن إلى العلاقة بين الطالب والمعلم.

معلمون: ظاهرة غير أخلاقية تثير القلق على مستقبل القطاع التعليمي

إذ يجب أولاً إعادة الاعتبار للمعلم ليس فقط في القرارات الرسمية بل في الوعي المجتمعي، ويجب أن يشعر الطالب أن احترام معلمه قيمة عليا لا نقاش فيها وأن المدرسة مكان للانضباط بقدر ما هي مكان للتعلم.

دور الإرشاد النفسي

وتضيف أحمد: كما يجب تفعيل دور الإرشاد النفسي والاجتماعي داخل المدارس بحيث يكون هناك من يستمع للطلاب ويفهم خلفيات سلوكهم قبل أن يتحول إلى عنف، في الوقت نفسه ينبغي تدريب المعلمين على أساليب التواصل الإيجابي وضبط الصف دون استخدام العنف لأن الحزم لا يعني القسوة، واللين لا يعني الضعف.
المدرسة هي صورة مصغرة عن المجتمع وما نراه فيها هو انعكاس لما نعيشه خارجه حين يُهان المعلم فذلك يعني أن المجتمع بأكمله فقد بوصلته التربوية، لذا نحن بحاجة إلى إعادة بناء العلاقة بين الأسرة والمدرسة على أساس من الثقة والتكامل لا الاتهام والتشكيك.
وختمت د. أحمد حديثها: في النهاية التربية ليست مسؤولية المعلم وحده ولا الأسرة وحدها بل هي مسؤولية مشتركة تبدأ من البيت وتترسخ في المدرسة وتصان في المجتمع، وحين نعيد الاحترام لمعلمينا سنعيد الاحترام لكل قيمة نبيلة كدنا نفقدها في زحمة هذا العصر.

Leave a Comment
آخر الأخبار