الحرية – سامي عيسى:
الاقتصاد السوري مازال يعاني جملة من المشكلات الاقتصادية والمالية، منها ما يتعلق بظروف البلد الداخلية، نتيجة الترهل في الإدارات والجهات العامة والخاصة، ومنها ما يتعلق بالحرب والعقوبات الاقتصادية، والحصار الذي فرض على المواطن السوري منذ سنوات، لكن أخطر هذه المشكلات ما يتعلق بالأمور المالية، وحالة التضخم الكبيرة، وضعف القوة الشرائية، وتراجع قوة الإنتاج في الكثير من المواقع، الأمر الذي فرض على الحكومة الحالية البحث عن الإجراءات التي تكفل الخروج منها، في مقدمتها إجراءات المصرف المركزي، وما صرح به الحاكم عن العملة النقدية الجديدة، والتي تأتي ضمن إطار تطوير البنية النقدية، وتسهيل التعاملات اليومية، وموضوع حذف الأصفار، وغيرها من الإجراءات..
شهدا: أنا من أنصار طرح عملة جديدة بفئة العشرة آلاف.. وخمسة وعشرين ألفاً.. وخمسين ألف ليرة أكثر من حذف الأصفار
مخاطر وسلبيات
الخبير الاقتصادي والمصرفي “عامر شهدا” أكد في تصريح لـ”الحرية ” أن إجراء المصرف بحذف الأصفار من العملة له مخاطر، وسلبيات كثيرة في ظل الظروف الحالية، وخاصة أن هناك مبالغ كبيرة خارج إطار رقابة مصرف سورية المركزي، جزء من مالكي هذه الكتلة النقدية خارج نطاق الرقابة المصرفية، وبالتالي سيتم التسارع بتبديلها بعملات أخرى كالدولار، والأمر الآخر عند طرح هكذا مسألة، من الضروري أن يسبقها مجموعة إجراءات، أهمها ماذا عن التعاملات بالعملات الأخرى، سواء في إدلب، أم في شرق سورية والسويداء وغيرها، وبالتالي في ظل هذا الأمر، يجب عدم طرح هذا الموضوع قبل تهيئة الظروف المناسبة، والسيد الحاكم تدارك الموضوع وقال: الأمر مازال قيد الدراسة، أي لا يوجد قرار، وبالتالي هذا الأمر من صلاحية مجلس النقد والتسليف، وهو صاحب القرار في البت في هذا الموضوع..
بيانات شفافة
أما فيما يتعلق بموضوع حذف الأصفار من العملة، وآثارها المحتملة الإيجابية والسلبية على الاقتصاد الوطني، فإن ذلك يحمل مخاطر كبيرة، في ظل غياب رؤية واستراتيجية اقتصادية واضحة تعرف هوية الاقتصاد السوري، وغياب قواعد وبيانات شفافة حول موضوع الميزان التجاري، والذي يعتبر الأساس في تحديد سعر الصرف، كل ذلك غير متوافر حالياً.
وبالتالي -يضيف شهدا- هذا الإجراء في اعتقادي لا يحمل إيجابية على الاقتصاد الوطني، وبالتالي حتى حذف الأصفار لا ينهي حالة التضخم، ولا يعزز القوة الشرائية لليرة، لذلك هذا الموضوع اقتصادي بحت، وليس نقدياً، فالميزان التجاري اليوم خاسر، وهو الذي يحدد إن كان هناك إجراء لرفع القوة الشرائية لليرة من عدمه، وبالتالي تراجع الإنتاج في سوريا، وارتفاع عرض المنتجات الأجنبية في الاسواق المحلية، وعدم قدرة المنتج المحلي على المنافسة، إضافة لجانب مهم يكمن في تراجع مستوى معيشة المواطن، هذه أمور يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، إذا كان المقصود من تغيير العملة، إحداث أثر إيجابي على الاقتصاد الوطني..
هدف أساسي
وأنا أتوقع، ” والكلام لشهدا” أن هناك تجارب دول كثيرة، حاولت إلغاء أصفار من عملتها، إلا أنه بعد فترة وجيزة عادت لإصدار عملة نقدية بأصفار أكبر، أي إنها لم تستفد شيئاً، وبالتالي أنا من أنصار طرح عملة جديدة، بفئة العشرة آلاف، وخمس وعشرين ألفاً، وخمسين ألف ليرة، الأمر الذي يسهل عمليات التبادل التجاري، أكثر من حذف الأصفار ..
وخاصة أن الحاكم يقول” إن الهدف الأساسي جودة الأوراق النقدية المتداولة، وضمان تلبية احتياجات السوق” وهذا يعني أنه يجب على مصرف سورية المركزي، حصر احتياجات السوق من الكتلة النقدية المتداولة.
وبالتالي نحن نعلم اليوم أن انخفاض القوة الشرائية لليرة لا يرتبط اليوم بموضوع جودة العملة، ولا بموضوع تلبية احتياجات السوق، بل هناك عوامل اقتصادية تتعلق بأسعار الفائدة، ومعدل الإنتاجية، والطلب الكلي الخارجي على السلع المحلية، والثقة بالاقتصاد الوطني، إضافة الى الأزمات السياسية والاقتصادية..
بيئة مناسبة
وعلى أي حال على المصرف المركزي تشكيل مجلس نقد وتسليف، قبل اتخاذ قرار تغيير العملة، وباعتقادي أن حذف الأصفار كما يقول شهدا ليس له ٱثار إيجابية، على اعتبار أن الأوراق بقيت ذاتها، لم تتغير ولم تسهل من عملية التبادل التجاري، في حين لو طبعت فئة الخمسين ألفاً على سبيل المثال، يلزمني 200 ألف ليرة، أي أربع قطع فقط، خلافاً للسابق، وبالتالي هنا يمكن القول تسهيل عملية التجارة..
لكن حتى نصل للقرار الصحيح لابد من توافر الكثير من مكونات البنية التحتية والخدمية وضرورة توافرها، لإحداث التغيير المطلوب، وتحقيق انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الوطني، وخاصة في ظل التحول إلى الاقتصاد الحر، وهذا بدوره يتطلب توفير احتياطات كبيرة من القطع الأجنبي، من أجل التحكم بسعر الصرف، وبالتالي هذا أهم بكثير من طباعة العملة الجديدة، وبعدها تثبيت سعر الصرف على الدخول والخروج، وعلى الاستهلاك، وعلى مستوى المعيشة للمواطن..