الحرية – سناء عبد الرحمن:
يواجه الشباب السوري واقعاً اقتصادياً ضاغطاً يضعه أمام خيارين أحلاهما مرّ: البقاء في دائرة انتظار بلا فرص حقيقية، أو الهجرة بحثاً عن دخل يؤمّن الحد الأدنى من الاستقرار. هذا الواقع، الذي بات يُعرف بـ«اقتصاد الانتظار»، لم يعد حالة مؤقتة مرتبطة بالبطالة، بل تحوّل إلى نمط معيشة فرضته تداعيات أكثر من 14 عاماً من الحرب والانهيار الاقتصادي.
واقع معيشي وضغط نفسي
أوضح الدكتور وجد رفيق الصائغ المدرس في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بجامعة اللاذقية لـ”الحرية” أن ما يُعرف باقتصاد الانتظار لا يمثّل مرحلة انتقالية، بل أصبح نظاماً معيشياً كاملاً يفرض نفسه على الشباب السوري. وأوضح أن سنوات الحرب والانهيار الاقتصادي حوّلت الانتظار إلى حالة دائمة: انتظار فرص عمل، وانتظار استقرار سياسي، وانتظار انفتاح اقتصادي داخلي وخارجي.
ضعف القدرة على التخطيط
وأضاف الصائغ إن هذا الواقع لا يستنزف الدخل فقط، بل يستنزف الإنسان نفسه»، مشيراً إلى أن «العيش في فقر وندرة مستمرين يدفع الشباب إلى التركيز على تأمين الاحتياجات اليومية، ما يضعف قدرتهم على التخطيط طويل الأمد واتخاذ قرارات إستراتيجية، وهو ما يفسّر تحوّل السلوك الاقتصادي نحو ما يمكن تسميته بالإنسان البقائي.
بطالة مرتفعة وتراجع القدرة المعيشية
وبين الصائغ أنه بحسب تقارير دولية، تتجاوز معدلات البطالة بين الشباب السوري 50%، نتيجة تدمير البنية التحتية، انهيار القطاع الخاص، وتزايد الاعتماد على المساعدات والتحويلات الخارجية. وفي المقابل، فقدت الليرة السورية جزءاً كبيراً من قيمتها، ما أدى إلى تآكل المدخرات وارتفاع تكاليف المعيشة بوتيرة تفوق الدخل.
الأمر الذي جعل تأمين الاحتياجات الأساسية للأسر أمراً بالغ الصعوبة.
فجوة التعليم وسوق العمل
إلى جانب البطالة، يواجه الخريجون فجوة متزايدة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل. ويؤكد شباب سوريون أن نقص المهارات العملية، مثل اللغات الأجنبية والمعرفة التكنولوجية، يقلل من فرص التوظيف ويعمّق الإحباط لدى فئة واسعة من الخريجين.
الهجرة ضرورة اقتصادية وليست خياراً
وأشار الصائغ في ظل هذا الواقع، لم تعد الهجرة قراراً فردياً، بل تحولت إلى ضرورة اقتصادية لدى شريحة واسعة من الشباب. فالدول الأوروبية ودول الخليج توفر فرص عمل في قطاعات التقنية والبناء والخدمات برواتب تبدأ من نحو 1000 دولار شهرياً. وتشير دراسات لمنظمة الهجرة الدولية إلى أن أكثر من 5 ملايين سوري غادروا البلاد منذ عام 2011، معظمهم من الفئة العمرية بين 18 و35 عاماً، ما يشكّل خسارة كبيرة لرأس المال البشري.
ولا تقتصر الهجرة على الكفاءات العالية، بل تشمل أيضاً العمالة غير الماهرة، ما يفاقم نقص اليد العاملة داخل البلاد ويعمّق الأزمة الاقتصادية.
هل من أفق للحل؟
وأكمل الصائغ أن رفع العقوبات يشكّل فرصة لخلق مسار اقتصادي جديد، لكنه شدد على أن الأمل الحقيقي يتطلب إصلاحات جذرية تبدأ بإعادة الثقة للشباب، وبناء مؤسسات عادلة وشفافة، وفتح المجال أمام الاستثمار الخاص، إلى جانب برامج تدريب مهني تستجيب لحاجات السوق.
وأكد أهمية تبنّي سياسات تشجع عودة الكفاءات السورية من الخارج عبر حوافز اقتصادية ضريبية، محذراً من أن استمرار نزيف الشباب سيحوّل سوريا إلى مجتمع هرِم قبل أوانه .
الإنسان صلب التعافي
يرى الدكتور الصائغ أنه رغم التحديات، يبقى الشباب السوري قادراً على الإسهام في إعادة البناء، كما أثبت حضوره في دول الجوار وأوروبا. وبين اقتصاد الانتظار وحلم الهجرة، يبقى الرهان معقوداً على سياسات تنموية تضع الإنسان في صلب التعافي الاقتصادي، وتعيد للشباب أملاً حقيقياً بمستقبل داخل وطنهم.