الحرية– مركزان الخليل:
فرضت متغيرات كثيرة خارجية ومحلية نفسها على أسواقنا المحلية، وقبلها الاقتصاد الوطني، وخاصة بعد حالة التحول الكبيرة التي شهدها اقتصادنا باتجاه تطبيق مفهوم اقتصاد السوق الحر وتكريسه ليكون عنوان المرحلة المقبلة التي بدأت بها الدولة السورية منذ ساعات التحرير الأولى.
وبالتالي هذا الأمر يضعنا أمام خيارات صعبة قياساً للظروف وطبيعة التحول التي تفرض الكثير من الأسئلة في مقدمتها: ماذا نريد من اقتصاد السوق الحر؟ وكيفية تحقيق الغاية المطلوبة من خلال فتح الأسواق، وحماية الاقتصاد الوطني ومنتجاتنا المحلية، وفرص النجاح للمنتجات الوطنية في ظل انفتاح الأسواق والتغيرات الاقتصادية.
خبير اقتصادي: المنتج السوري قادر على النجاح إذا انتقل من العمل الفردي إلى سلاسل إنتاج منظمة
ماذا نريد من اقتصاد السوق الحر؟
الخبير الاقتصادي شادي أحمد يرى أن اقتصاد السوق الحر ليس غاية بحد ذاته، بل أداة لإعادة تخصيص الموارد بكفاءة أعلى، أما ما نريده عملياً يكمن في عدة أمور منها تحفيز الاستثمار الحقيقي لا المضاربات، وتحرير قوى الإنتاج وليس تحرير الفوضى، وخلق منافسة منتجة ترفع الجودة وتخفض الكلفة، ونقل الاقتصاد من الريعية إلى الإنتاجية.
وأضاف أحمد: إن اقتصاد السوق الحر الناجح هو اقتصاد تحكمه قواعد واضحة، دولة قوية تنظيمياً، وقضاء اقتصادي مستقل، ومن دون ذلك يتحول إلى اقتصاد احتكاري بواجهة ليبرالية.
الجواب المختصر
لكن السؤال الأهم والذي يحتاج إلى إجابة واضحة وصريحة: هل فتح الأسواق على مصراعيها أمام التجارة من وإلى سورية يحقق الغاية المطلوبة؟
فتح الأسواق في رأي أحمد بشكل كامل في اقتصاد خارج من أزمة عميقة سيؤدي إلى إغراق السوق بسلع أرخص ومدعومة خارجياً، وتدمير ما تبقى من القاعدة الإنتاجية المحلية، وتوسيع العجز التجاري واستنزاف القطع الأجنبي، وبالتالي الانفتاح يجب أن يكون انتقائياً، مرحلياً، ومشروطاً بقدرة القطاعات المحلية على المنافسة.
الحماية لا تعني الإغلاق
والسؤال هنا الذي يفرض نفسه كأولوية بعد عرض ما سبق يتعلق بكيفية حماية اقتصادنا الوطني ومنتجاتنا المحلية من انفتاح الأسواق؟
وهنا الإجابة واضحة من قبل الخبير أحمد أن الحماية لا تعني الإغلاق، بل الإدارة الذكية للانفتاح عبر عدة قواعد يجب الالتزام بها لتأمين الحماية المطلوبة والتي تؤسس لقيادة مرحلة اقتصادية جديدة، منها سياسات جمركية مرنة ومتغيرة حسب القطاع، ودعم الإنتاج لا الاستهلاك، وربط الإعفاءات والتسهيلات بمعايير أداء (تشغيل، تصدير، جودة)، مع مكافحة التهريب بوصفه سياسة اقتصادية موازية، وحماية سلاسل القيمة المحلية وليس فقط المنتج النهائي، وبالتالي هنا الدولة ليست منافساً، بل منظّم سوق وحارس توازن.
فرص النجاح موجودة لكنها مشروطة
إذاً نستطيع القول إن هناك فرص نجاح واسعة أمام تطبيق اقتصاد السوق الحر وفق الرؤية التي قدمها الخبير الاقتصادي، والتي يمكن من خلالها تحقيق نتائج أفضل، مربوطة بتحسن الظروف العامة وبيئة الاستثمار وغيرها.
لكن سؤالنا هنا حول فرص نجاح المنتجات الوطنية في ظل انفتاح الأسواق والتغيرات الاقتصادية؟
الخبير الاقتصادي أحمد يرى أن فرص النجاح موجودة لكنها مرتبطة بعدة شروط، منها أن المنتجات ذات الميزة النسبية (غذائية، زراعية، صناعات خفيفة) قادرة على المنافسة، كما أن الجودة لم تعد خياراً بل شرط دخول السوق، والتسعير وحده لا يكفي دون علامة تجارية وثقة، كما أن الأسواق الإقليمية هي نقطة الانطلاق الواقعية لا الأسواق العالمية فوراً.
فالمنتج السوري قادر على النجاح إذا انتقل من منطق البقاء إلى منطق التوسع المدروس، ومن العمل الفردي إلى سلاسل إنتاج منظمة.