الحرية – إلهام عثمان:
تمر البيوت في هذه الفترة بصمت مثقل، وكأن فرحة العيد قد غاب صدى صوتها، خاصةً مع تدهور الظروف الاقتصادية وارتفاع تكاليف الاحتفال ما يجعل الاكتئاب من الزوار الدائمين لمعظم الأسر، ما يعوق إضفاء أجواء البهجة على موسم العيد، فهل يطرق العيد الأبواب كلها، أم إن صمت البيوت قد بلغ حد الحناجر ، وكأن شيئاً ما.. قد انكسر داخلها.
في الجانب الآخر للفرحة، وفق رأي الخبيرة الاجتماعية رؤى عساف خلال حديثها مع صحيفتنا ” الحرية”، قد يعاني الكثيرون من تدهور العلاقات الاجتماعية، حيث تراجعت زيارات الجيران وتواصل الأهل، وهو ما أدى إلى إضعاف الروابط الاجتماعية التقليدية التي كانت تشكل شبكة دعم نفسية قوية خلال المناسبات.
وأضافت عساف: إن تدهور أواصر الود بين الجيران، بسبب ظواهر حديثة كالانشغال الزائد أو انتشار الانقسامات، أدى إلى إيجاد فجوة عميقة من الوحدة بين أفراد المجتمع، تزيد من حدة الشعور بالعزلة لدى الكثيرين.
الوحدة وتأثيرها النفسي
كما بينت عساف، أن وقع الفراغ الذي يتركه غياب الأحبة خلال العيد، سواء بسبب الوفاة أو السفر أو الوضع الاقتصادي، والذي ضاعف من أوجاع بعض الأسر، بحيث مُلئت المقاعد الفارغة بروح المشاعر السلبية، ما جعل من العيد وشاحاً أسود يلف خواطر بعضهم بالحزن.
أما الأفراد غير المتزوجين أو الذين يعيشون بمفردهم، بسبب عدم سفرهم إلى أهاليهم في المحافظات أو بسبب غربتهم خارج البلاد فإنهم يعانون أكثر، حيث تستحضر الأيام التي كانت تجمعهم بالأهل والأصدقاء، ليجدوا أنفسهم في عزلة قاتلة، ما زاد من حالات الاكتئاب والخوف الاجتماعي وفق رأي عساف.
مالا تعكسه.. مرآة العيد
وهنا أوضحت عساف أن الكثيرين يعيشون تحت ضغط ما يصوره الإعلام وعبر شبكة التلفزة والتواصل الاجتماعي، عن العيد كموسم مليء بالسعادة والاحتفالات، ما يفاقم الشعور بالفشل بالنسبة لغيرهم، فمنهم من لا يستطيع تحقيق ذلك بسبب الضائقة المالية أو بسبب فقدانهم لعملهم، ما يؤدي إلى شعورهم أن جدران سعادة الآخرين تبتلعهم في وحدة عميقة، فنجد أن وسائل التواصل الاجتماعي، بدورها، تعكس حياةً مثالية، إن لم نقل فارهة، تعزز من مشاعر النقص لدى الكثير، وتزيد من إحساسهم بعدم الانتماء.
وفي الوقت ذاته، يعاني بعض الناس من اضطرابات القلق والخوف الاجتماعي، ما يضاعف من معاناتهم في هذه الحالة، ويزيد من شعورهم بعدم الراحة، وبالتالي يفاقم من الحالة النفسية السيئة خلال العيد واللجوء للوحدة.
عوامل آخرى
وهنا تشدد عساف، على أن هناك عوامل أخرى لم يأخذها الكثيرون بعين الاعتبار عن تراجع وقلة التواصل الاجتماعي، بالإضافة للأعباء المادية والاقتصادية، الضغوط الإعلامية، والمقارنات المستمرة على منصات التواصل، وهي كلها تؤدي إلى تراجع المزاج العام، وتدفع بعض الأشخاص نحو الاكتئاب والإحباط والشعور بالنقص.
كما لفتت عساف إلى أن غياب الأهداف الشخصية وعدم تحقيق الإنجازات يقود إلى إحساس بالخيبة، خاصة عند الشباب، الذين يشعرون غالباً أن العيد ليس سوى مناسبة من المظاهر، بعيداً عن معانيه الحقيقية من روحانية وتقارب.
وختمت عساف حديثها: في ظل هذه الصورة المعقدة، تبقى مسألة دعم النفس والآخرين أمراً ضرورياً، وهنا تنصح بالتركيز على الجانب الروحي، والتواصل مع الأهل والأصدقاء، وتقبل حقيقة أن المشاعر المختلفة من حق الإنسان أن يمر بها، وأن العيد هو زمن للرحمة والتسامح، سواء كان مليئاً بالفرح أو بمشاعر الحزن، أعاده الله على الجميع بالخير والسعادة.