الآلات الصناعية “المستعملة” حالة جدل بين مؤيد ومعارض والخلاف لا يفسد للود قضية..!

مدة القراءة 12 دقيقة/دقائق

الحرية – مركزان الخليل:
الصناعة الوطنية اليوم أمام تحدٍ وجودي، يفرض عليها وعلى القائمين بحمايتها، اتخاذ سياسة خاصة، تتماشى والتوجهات الجديدة للاقتصاد الوطني من جهة، وحالة الانفتاح السريعة، التي تشهدها أسواقنا المحلية “منها وإليها” من دون تجاهل ما عانته خلال السنوات الماضية، من مشكلات وتحديات، خرجت بمجملها عن السيطرة، رغم القليل من الحلول التي استطاعت الحكومات المتعاقبة، ترجمتها على أرض الواقع، شكلت حالة إيجابية ضمن إطار محدود، الأمر الذي أبقى المشكلات الكبرى خارج نطاق الحل، وخاصة تداعيات الأزمة السابقة، وما نتج عنها من ويلات..!
إلا أن تحسن الواقع الحالي، فرض واقعاً جديداً على الحكومة، والتفكير جدياً بتحقيق انطلاقة جديدة للصناعة الوطنية، واتخاذ جملة من الإجراءات والقرارات، التي من شأنها المساعدة في تأهيل البنية الأساسية، لإعادة الصناعة الوطنية إلى ألقها من جديد..

جدل صحيح

والسؤال هنا هل يبقى السماح باستيراد الآلات المستعملة، واستخدامها كحل مبدئي لتطوير الصناعة، رغم حالة “الجدل” التي أثيرت في الأوساط الصناعية الخاصة ما بين مؤيد ومعارض..
ونحن اليوم بأمس الحاجة لبناء قاعدة صناعية متينة، ونسيج صناعي قوي ومتماسك، وهذا يتطلب الاعتماد على التقنيات المتطورة، والتكنولوجيا الحديثة، لتدعيم القدرات التنافسية، والارتقاء بمواصفاتها إلى أعلى مستوى، وهذه تحتاج إلى قرارات جريئة، وخاصة في المواقف التي تحتاج فيها لمعالجة فورية، لواقع يفرض نفسه على الساحة الصناعية، وهذه ليست هي المرة الأولى التي يختلف فيها أهل “الصناعة والصناعيين” حول قضية جوهرية تخص الصناعة الوطنية، والمرتبطة باستخدام الآلات الصناعية المستوردة، كحل مبدئي يستند إليه أهل التصنيع، لتجاوز مرحلة أرهقتها ظروف الحرب وغيرها..

بحاجة لأجوبة..؟

ثمة أسئلة كثيرة جميعها تصب في موضوع استخدام الآلات المستعملة في الإنتاج الصناعي، والسماح بإدخالها، وتسهيل دخولها للأراضي السورية، والفوائد التي يجنيها القطاع الصناعي من استخدامها، وهل هناك عائدية اقتصادية للاقتصاد الوطني، من خلال المساهمة في زيادة الناتج الإجمالي، أم العكس هو الصحيح باتجاه النتائج السلبية..؟ وهل يعتبر استيراد الآلات المستعملة باباً للتهرب الضريبي، وإدخال آلات مستعملة، معظمها أشبه بالخردة..؟!
والأهم الآثار السلبية لاستخدام الآلات المستعملة، على الاقتصاد الوطني بصورة عامة، وعلى الصناعة المحلية بصورة خاصة..؟

ضرورة التفريق

الخبير الاقتصادي محمد الحلاق يوضح لـ”الحرية” مجموعة من النقاط المتعلقة بالموضوع المطروح، حيث أكد ضرورة التفريق بين الآلات المتهالكة والمستعملة، فهناك الكثير من الصناعيين عندما يمارسون نشاطاً صناعياً، وتبين بعد فترة من الزمن، أن المشروع غير مجدٍ، وهنا يعلن بيع الآلات المستخدمة لديه، وهذا لا يعني أنها متهالكة ومستهلكة، بل هي مستعملة لفترة من الزمن لم تنتهِ معها صلاحية الاستخدام، وهنا لا بد أن نفرق ما بين “المستعمل والمتهالك”، وبالوقت نفسه الشركات في الأسواق الخارجية تختلف طريقة تعاملها مع الآلات عما هو لدينا، فهذه تحصل على قرض تشتري فيه الآلات وبعد سنوات قليلة، ولتكن ثلاث سنوات، تصبح هناك تقنية وتكنولوجية جديدة، والتفكير هنا أنه من خلال الإنتاج يتم تسديد القرض، وحتى من بيع الآلات أيضاً يتم التسديد وشراء الجديد، وبالتالي الأسلوب يختلف مما هو لدينا، فهم يعتمدون على الإقراض لحالة التغيير للآلات، وبالتالي تبقى مستعملة، لكنها ليست متهالكة وقادرة على إعطاء الإنتاج الجيد.

“الحلاق”: لا بد من التفريق بين “المستعمل والمتهالك” والاستيراد يتم وفق ضوابط قانونية وإجرائية تتضمن “العمر الزمني، طاقة إنتاجية، شهادة خبرة من قبل أهل الاختصاص..

ضوابط مطلوبة

لكن المهم هي مجموعة القواعد والضوابط من حيث عمر الآلة المستخدمة والتكنولوجيا المرافقة لها، وإرفاق وثائق مع الآلات المستوردة، تثبت أنها قادرة على الانتاج، واستهداف المنتج المراد، وكل ذلك تحت رقابة حكومية بضوابط تحمي الجميع، ومنع إغراق البلد بما يسمى” سكراب” أو الخردة، كما حصل الآن بموضوع السيارات وإغراق السوق المحلية بكميات هائلة، بدل أن تلقى في الأسواق الأخرى، وبالتالي هذه الأعباء يتحملها الاقتصاد الوطني.
لذلك نجد استيراد الالات المستعملة يجب أن يتم وفق ضوابط قانونية وإجرائية تتضمن العمر الزمني، طاقة إنتاجية، شهادة خبرة من قبل أهل الاختصاص بالصلاحية والجودة، والقدرة على الإنتاج وفق المواصفات العالمية المطلوبة، وغيرها من إجراءات تؤكد العائد الاقتصادي والقيمة المضافة.

“الحلاق”: العائدية مرتبطة بحجم الاستثمارات ورؤوس الأموال المستثمرة في المشروعات وهذه تتناسب طرداً مع حجمها فكلما زاد رأس المال وتوسعت المشروعات حققنا الزيادة في الإنتاج والربحية ..

وأوضح الحلاق أنه لا مشكلة في الجمع بين الآلات الحديثة والمستعملة في أي معمل ما دام الأمر يتم وفق الضوابط والأصول القانونية، والتي تجمع التكنولوجية والتقنية الحديثة واستثمارها بصورة تتماشى مع حداثة التصنيع المستمرة، وهذا يقيّمه صاحب المهنة، أو المستثمر ذاته، وهذا الأمر ينطبق على الكثير من المستثمرين السوريين الذين غادروا سورية بزمن الأزمة، واليوم طالبناهم بالعودة مع مصانعهم، وتسهيل دخولهم وفق الضوابط والإجراءات المعتمدة والتي تكفل سهولة العودة، وتقديم الرؤى والأفكار، وحتى الإجراءات المرتبطة بالقروض، وكيفية استخدامها، واستحداث شركات مساهمة، وتقديم له كل التفسيرات التي من شأنها رفع سوية العمل ليس فقط في إطار ترشيد المستعمل، بل على مستوى الاقتصاد الكلي، والعائد المطلوب من هذه الاستثمارات.

تناسب طردي

أما فيما يتعلق بالعائدية الاقتصادية، والمساهمة في زيادة الناتج المحلي الإجمالي، يرى “الحلاق” أن ذلك يتحقق من زيادة حجم الاستثمارات، ورؤوس الأموال المستثمرة في المشروعات، وعائديتها تتناسب طرداً مع حجمها، فكلما زاد رأس المال وتوسعت المشروعات حققنا الزيادة في الإنتاج، والربحية والعائدية الاقتصادية التي تحددها هوية كل مشروع، وطبيعة الإنفاق والمصروف المناسبين، وغير ذلك من الإجراءات التي تسمح بضبط التوفير، المرتبط بكل مراحل العملية الإنتاجية والتسويقية.
وهنا يرى “الحلاق” ضرورة التفريق بين الآلات المستعملة والصناعة، هناك آلات من المهم جداً أن تتمتع بالتكنولوجية الحديثة، حتى تعطينا الإنتاج بالجودة والمواصفة المطلوبة، وهذا ينطبق على الآلات المنتجة فعلياً، أما على خط التعبئة والتغليف ليس من الضروري أن تكون حديثة الولادة، يمكن أن يكون خطاً معدلاً، ويؤمن الجودة المطلوبة نفسها، وبالتالي المهم هنا التركيز على الصناعة الأساسية التي تحدد هوية المنتج “جودةً وسعراً ومنافسةً” ..

مسؤولية مشتركة

وبالتالي هذا لا يخلي مسؤولية الحكومة والجهات المعنية المسؤولة، عن معرفة طبيعة الآلات التي تدخل ميدان الإنتاج الصناعي، ومعرفة خصوصيتها، والحالة الفنية والتصنيعية، والجانب الأكثر أهمية سواء “مستعملة أم حديثة” ضرورة التركيز الحالة الإنتاجية، من حيث القدرة على الإنتاج والعائد منها من كل جوانبها، على اعتبار أنه هناك الكثير من مراحل الإنتاج ليس من الضرورة أن تكون حديثة، نذكر على سبيل المثال إنتاج خيط معين، وحسب الكميات المطلوبة وقدرتها على تأمين المطلوب، لكن في الصناعة الكبيرة والاستراتيجية، “كالإسمنت” من الضروري الحداثة وبأحسن وأجود التقنيات والتكنولوجية الحديثة، بقصد ضبط العملية الإنتاجية وامتلاك القدرة على الإنتاج وتأمين حاجة السوق المحلية، والتصدير أيضاً، أي بمعنى هناك مواقع يمكن استخدام المستعمل فيها، وأخرى لا يمكن التساهل بها، وضبط ذلك مسؤولية الجميع، وذلك من أجل الحفاظ على هوية متقدمة جداً للإنتاج الوطني والحفاظ على سمعته في الأسواق المحلية والخارجية.

شح التمويل

أما الصناعي بشار النوري فيرى أن فتح الباب أمام استيراد الآلات المستعملة، يمكن أن يسهم في إعادة تشغيل العديد من المنشآت المتوقفة، ويدعم الصناعيين الراغبين في إعادة تدوير خطوط الإنتاج بتكاليف مقبولة، وخاصة في ظل شُح التمويل، إلا أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا ضمن ضوابط صارمة، ومعايير فنية واضحة تضمن جودة هذه الآلات وكفاءتها، وتحول دون تحوّل السوق السورية إلى مكب للتقنيات المتهالكة، أو غير الصالحة للإنتاج..

“النوري”: المستعمل يحمل مكونات خاصة، تكفل إعادة تدوير وتشغيل بتكاليف مقبولة، في ظل شح السيولة، لكن شرط الكفاءة وعدم تحويل السوق لمكب التقنيات المتهالكة..

وأضاف: أنا مع أن يتم استيراد آلات مستعملة من شركات اشترت تلك الآلات منذ فترة قصيرة، ولأسباب خاصة بها طرحت آلاتها للبيع، ومن المنطق أن نكون نحن في سورية أحد المستفيدين من تلك الشركات المتعثرة، والاستفادة من الآلات التي تباع بأسعار متدنية، وهي جيدة ولا أشجع دخول آلات مستعملة، وقديمة بأسعار متدنية، لأن ذلك يؤثر في قيمة الآلات الموجودة في أسواقنا المحلية التي ستنخفض قيمتها بعد دخول الآلات المستعملة، فلا يشجع في كثير من الحالات أصحاب المنشاّت على تبديل آلاتهم باّلات جديدة نتيجة الفرق الكبير في السعر.

جدواها ضعيفة

لكن بالمقابل الدكتور “عمار يوسف” الخبير في الشؤون الاقتصادية يؤكد عدم الجدوى الاقتصادية من استخدام الآلات الصناعية المستعملة، حتى لو كانت في نصف عمرها، لأسباب كثيرة منها على سبيل المثال استخدام تقنيات قديمة، وبحاجة إلى صيانة، وتقنيات مستعملة، ستؤثر في النهاية على جودة المنتج، وزيادة في تكاليف الانتاج، رغم انخفاض سعر استيرادها، لكن سوف يدفع الصناعي فرق السعر في التكاليف وزيادة الاستهلاك من الطاقة، إضافة إلى ضعف جودة منتجها، وهذه بالضرورة لن تكون متوافقة مع المنتجات المماثلة، والمنتجة بآلات حديثة..

ليست نصيحة

وأنا لا أنصح، والكلام للخبير “يوسف”، باستيرادها تحت أي مسميات أو ظروف، وحتى لو أدت إلى زيادة الإنتاجية الصناعية، وإن حصل فهي على حساب الجودة واستهلاكها الكبير من قطع الغيار، وأعمال الصيانة الكثيرة، واستهلاك موارد الطاقة وغيرها من الانفاقات الكبيرة التي تتم عبر مرحلة التصنيع والإنتاج..

“يوسف”: لدينا تجربة “السيارات المستعملة” والتي تم إدخال أعداد هائلة منها تمثل بمجملها كميات كبيرة من “الخردة” وهي عبارة عن سيارات مستهلكة للقطع الأجنبي

وأضاف يوسف: إن الصناعي له المصلحة في استيرادها، وليس أهل التجارة، لأن التاجر يقوم بشراء المنتج جاهز، مضافاً إليه هوامش الربح على السلعة النهائية، لكن الصناعي هو الأساس، وصاحب المصلحة في استيراد الالات المستعملة..
حيث لدينا تجربة تمثل هذا الجانب خير دليل، وهي تجربة “السيارات المستعملة “والتي تم إدخال كميات كبيرة منها، تمثل بمجملها كميات كبيرة من “الخردة” دخلت إلى سوريا بعد السماح باستيراد السيارات، وهي عبارة عن سيارات مستهلكة للقطع الاجنبي، سواء من خلال مستورداتها، أم من خلال أعمال الصيانة، وهذا أكبر مثال على مصير الآلات المستعملة، وهنا “أجزم” لا فوائد يجنيها الصناعي، لأن المنتج يحمل جودة متدنية، إلى جانب ارتفاع في تكاليف الإنتاج، وأجور الصيانة وغيرها من تكاليف، رغم رخص ثمنها، والأهم طبيعة الاستهلاك، وخاصة أن الصناعي يدخل في جو من المنافسة، ليس على المستوى المحلي، بل على المستوى الخارجي، وخاصة المجاور الذي يحتوي على أفضل الآلات الصناعية، الأمر الذي يفقدها خصوصية قوة المنافسة في تلك الأسواق، وليس هذا فحسب، بل يفقدها هذه القوة في الأسواق المحلية، عند استيراد المنتجات المماثلة من الأسواق المجاورة..

“يوسف”: ينصح بعدم استيرادها تحت أي مسميات أو ظروف ولو أدت لزيادة الإنتاجية الصناعية لفقدانها عناصر الجودة والكلفة الكبيرة في الإنفاق وأعمال الصيانة..!

وبالتالي يمكن القول إنه بالإمكان تحقيق فائدة من استيرادها على المدى القريب، لكن على المدى البعيد خسارة كبيرة جداً على الاقتصاد الوطني والصناعي على السواء، والتأثير الأكبر على سمعة الإنتاج الوطني..
وبالتالي بعد هذا العرض في الآراء لا يوجد كلام يمكن الحديث عنه، فهناك آراء صحيحة حسب وجهة نظر كل شخص.

Leave a Comment
آخر الأخبار