الحرية – بشرى سمير:
تشكل الأخطاء الطبية في مختلف المجالات تحدياً خطيراً للنظام الصحي في سوريا، حيث تترتب على هذه الأخطاء عواقب وخيمة قد تصل إلى فقدان السمع أو النطق أو الحياة ما يجعل من قضية المساءلة والمحاسبة الطبية أمراً بالغ الأهمية لكن الأخطاء الطبية في مجال جراحة العين أشد ألماً وحسرة لأن المريض يفقد بصره الذي هو أغلى من الحياة نفسها
في أحد أيام ، توجهت أم معتز وهي ربة منزل لإجراء عملية الساد في مركز طبي متخصص في جراحة العيون لكنها خلال العملية التي تعتمد على التخدير الموضعي شعرت بألم فظيع لكن الدكتور المدعو أ-س الذي أجرى لها العملية نهرها كما صرخت من الألم لتجد نفسها بعد العملية تعامل معاملة سيئة من قبل الكادر التمريضي وبعد عدة أيام من إجراء العملية اكتشفت أنها غير ناجحة وأن الطبيب ارتكب خطأ طبيباً كاد يفقدها الرؤية في عينها كليًا. وما كان من المريضة إلّا أن طرقت أبواب عيادات أخرى بحثًا عن حل، لتكتشف الأخطاء الجسيمة التي رافقت العملية الأولى، والتي زادت من معاناتها، وعندما اشتكت لمدير المركز ا-ج تجاهل الأمر بكل برود وقال لها (لك الله )
ولكن ما هي الأخطاء التي يمكن أن تحدث في جراحة العين يجيب عن هذا السؤال الدكتور سامي موسى اختصاصي في جراحة العين مبيناً أن جراحة العين من التخصصات الدقيقة والحساسة التي تتطلب مهارة فائقة ودقة متناهية، وأي خطأ ولو كان بسيطاً قد يؤدي إلى نتائج كارثية ومن بين هذه الأخطاء أخطاء في تشخيص أمراض العين أو أثناء إجراء العمليات الجراحية مثل عملية الساد (الماء الأبيض) أو عملية انفصال الشبكية وقد يكون الخطأ عند وصف أدوية أو جرعات غير مناسبة أو نتيجة عدم التزام الطبيب ببروتوكولات التعقيم ومكافحة العدوى
ولفت موسى إلى أنه في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها سوريا، ازدادت نسبة الأخطاء الطبية بزمن النظام البائد نتيجة عدم وجود محاسبة و ضعف الرقابة على الممارسات الطبية، ونتيجة نزوح عدد كبير من الكفاءات الطبية المتخصصة و• تدهور البنية التحتية للمستشفيات والمراكز الطبية و نقص المستلزمات والأدوات الطبية ذات الجودة العالية
الإطار القانوني للمساءلة الطبية
وفيما يتعلق بالإجراءات القانونية في حال وقوع خطأ بيّن موسى أن تحديد المسؤولية الطبية في القانون السوري يخضع لأحكام قانون العقوبات وقانون الممارسات الطبية، لكن التطبيق العملي يواجه تحديات كبيرة، منها صعوبة إثبات الخطأ الطبي في كثير من الحالات، وطول إجراءات التقاضي إضافة إلى غياب نظام تأمين ضد الأخطاء الطبية و ضعف دور النقابات الطبية في الرقابة والمحاسبة
لضمان حقوق المرضى وتحسين جودة الخدمات الطبية أكد موسى أنه لابدّ من تعزيز الرقابة على الممارسات الطبية من خلال هيئات رقابية مستقلة و إنشاء سجل وطني للأخطاء الطبية يساعد في تحليل الأسباب ووضع الحلول إضافة إلى تفعيل دور الطب الشرعي في التحقيق في الأخطاء الطبية و التأكيد على ضرورة الحصول على الموافقة المستنيرة من المريض قبل أي إجراء طبي و تشجيع نظام التأمين ضد الأخطاء الطبية لحماية الطبيب والمريض معاً و الاستثمار في التدريب المستمر للأطباء وتحديث المعدات الطبية.
من جانبه المحامي مروان محمد أشار إلى أهمية تسليط الضوء على القضايا القانونية التي تواجه المرضى الذين يتعرضون لأخطاء طبية ومن الضروري أن نتعامل مع حالات المسؤولية الطبية بشكل جدي ومهني، حيث يجب أن يكون القانون داعماً للمرضى ويحمي حقوقهم. يجب على الأطباء والمؤسسات الطبية الالتزام بأعلى معايير الجودة والسلامة لتجنب وقوع مثل هذه الحوادث
وأضاف إنّ قضية المسؤولية الطبية تعكس تحديات كبيرة تواجهها المؤسسات الطبية والأطباء في العمل اليومي. من المهم أن نفهم أنّ الأخطاء الطبية يمكن أن تحدث في أي وقت، ولكن الأمر المهم هو كيفية التعامل معها بشكل صحيح. يجب على الأطباء أن يكونوا مستعدين للاعتراف بالأخطاء عندما تحدث وأن يتعلموا منها لتجنب تكرارها في المستقبل. على المؤسسات الطبية أن تقدم دعمًا كافيًا للمرضى المتضررين وتعمل على تقديم تعويض عادل إذا كانت الأخطاء نتيجة للإهمال أو عدم الالتزام بالمعايير الطبية. الهدف النهائي هو تحقيق العدالة وتقديم أفضل الخدمات الصحية للمرضى
منوهاً بأن محاسبة الطبيب في حال وقوع خطأ طبي في جراحة العين ليست مسألة عقابية فحسب، بل هي جزء أساسي من نظام صحي سليم يضمن حقوق المرضى ويحسن جودة الخدمات الطبية. وفي سورية، أصبح من الضروري العمل على تطوير إطار قانوني ومهني واضح وعادل للمساءلة الطبية، مع التركيز على الوقاية من الأخطاء من خلال التدريب والرقابة والتقييم المستمر، ما يسهم في استعادة الثقة بين الطبيب والمريض، ويحسن من جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.