الحرية – هويدا محمد مصطفى:
كاتب تعددت مساراته الإبداعية ما بين الشعر والنقد والسرد، لتكون مسيرته استنطاقاً للأشياء، وإمكانيةً لتقصي تطورات المخزون الفكري والإبداعي في مدارات التأمل الوجودي.
صدر له الكثير من المنجزات الأدبية ما بين الشعر والنقد والقصة والرواية، نذكر منها في الشعر: “هكذا كلمني البحر”، “قراءة في صحف القمر”.
وفي القصة: “امرأة تعزف على الأسلاك”، “شمس وسط الظلام”.
وفي الرواية: “ما تبقى من الروح”، “تجاعيد على حجر من ذهب”.
وفي النقد: “علامات في النقد”، “جماليات النص الأدبي الحديث”.
وله الكثير من المشاركات والمقالات المنشورة بصحف محلية وعربية. إنه الناقد والأديب حسن غريب أحمد من مصر. صحيفة “الحرية” أجرت معه هذا الحوار.
• من هو حسن غريب أحمد، وكيف تقدم نفسك للقارئ؟
–لم أدخل عالم الإبداع من باب الادعاء أو الرغبة في الظهور، بل من شغف مبكر باللغة بوصفها كائناً حيّاً يتنفس ويقاوم النسيان. أنا كاتب تشكّلت ملامحه بين الشعر والنقد، بين الذائقة والوعي. أؤمن بأن الكاتب الحقيقي لا يُعرّف بنفسه عبر الألقاب أو عدد الكتب، بل عبر صدقه مع ما يكتب، وعمق انشغاله بالإنسان وقضاياه.
أقدّم نفسي ككاتب يحاول أن يكون أميناً لتجربته، منحازاً للقيمة، ومؤمناً بأن الأدب ليس ترفاً بل ضرورة وجودية.
• خلال مسيرتك الأدبية الحافلة بالكثير من المنجزات المتنوعة بعالم الأدب، ماذا حققت؟ وهل برأيك الأديب عليه مسؤولية تجاه العالم؟
– ما حققته خلال مسيرتي لا يمكن اختزاله في منجزات مادية أو عناوين منشورة، بل في تراكم تجربة ووعي. حققت الأهم: أن أظل في حالة تطوّر، وألا أستسلم للتكرار أو الرضا السهل.
تعلمت أن أراجع نفسي باستمرار، وأن أتعامل مع الكتابة بوصفها مغامرة لا ضمانات فيها.
أما عن مسؤولية الأديب، فأراها مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون فكرية. الأديب ليس خطيباً سياسياً ولا واعظاً اجتماعياً، لكنه ضمير يقظ وشاهد على عصره.
مسؤوليته أن يُنقذ المعنى من الابتذال، وأن يواجه القبح بالكشف لا بالصراخ، وأن يمنح الصوت لمن لا صوت لهم، وأن يدافع عن الإنسان في جوهره لا عن الإيديولوجيات.
• ما دور المثقف في ظل الظروف الراهنة، وماذا يقدم برأيك؟
– دور المثقف اليوم بالغ الصعوبة؛ لأننا نعيش زمن الضجيج وسرعة الاستهلاك المعرفي، حيث تختلط الحقيقة بالوهم والمعرفة بالشعارات. المثقف الحقيقي مطالب بأن يكون صوت العقل في زمن الانفعال، وأن يعيد الاعتبار للتفكير النقدي في مواجهة التسطيح.
لا يُطلب من المثقف أن يكون بطلاً أو منقذاً، بل أن يكون صادقاً مستقلاً ومقاوماً للتزييف.
عليه أن يشتبك مع الواقع من دون أن يفقد مسافته التأملية، وأن يُسهم في بناء الوعي لا في تضليل الجماهير. الثقافة ليست ترفاً، بل فعل مقاومة ناعمة ضد الجهل والرداءة.
• تنوعت أعمالك ما بين النقد والشعر والقصة والرواية، أين تجد نفسك؟ وهل تعتبر الناقد مسؤولاً أمام ما يقدمه؟
– أجد نفسي في منطقة التماس بين الإبداع والتأمل النقدي. هذه الأجناس ليست متناقضة بل متكاملة؛ فالشعر يهبني الحساسية، والنقد يمنحني الوعي، والسرد يفتح لي أفق الحكاية والإنسان. لا أؤمن بالتصنيفات الصارمة؛ لأن الكاتب الحقيقي هو من يستخدم الشكل الذي يخدم تجربته.
أما الناقد، فهو مسؤول بدرجة كبيرة؛ لأن كلمته قد تفتح أفقاً لنص أو تُغلقه ظلماً. النقد ليس سلطة قمع ولا مجاملة مجانية، بل فعل معرفة قائم على المنهج والعدل.
الناقد مسؤول عن نزاهته، وعن تحرّره من الأهواء والعلاقات الشخصية.
• ما رأيك بالكتاب الإلكتروني، وأين أنت من الكتاب الورقي؟ وما تأثير ذلك على النص الشعري والمتلقي؟
–الكتاب الإلكتروني أصبح واقعاً لا يمكن تجاهله، وقد ساهم في ديمقراطية المعرفة وتوسيع دائرة الوصول إلى النصوص، خصوصاً لدى الأجيال الجديدة.
في المقابل، يظل الكتاب الورقي محتفظاً بسحره وطقسه الخاص، خاصة في الشعر؛ حيث تلعب العلاقة الحسية مع النص دوراً مهماً في التلقي.
النص الجيد يفرض نفسه في أي وسيط، لكن الخطر يكمن في الاستهلاك السريع الذي قد يفرغ النص من عمقه.
التأثير الحقيقي لا يرتبط بالوسيط، بل بوعي المتلقي وقدرته على التفاعل الجمالي.
• لديك الكثير من الكتب النقدية، ماذا أضاف النقد لمسيرتك الإبداعية؟ وكيف ترى واقع النقد والعلاقة بين الناقد والكاتب؟
– النقد أضاف لي البوصلة؛ علّمني كيف أقرأ بعمق، وكيف أرى ما وراء السطح، وكيف أمارس الشك الإيجابي في النص. جعلني أكثر صرامة مع نفسي قبل الآخرين.
أما واقع النقد العربي، فيعاني من أزمات حقيقية، أبرزها المجاملة وغياب المنهج أحياناً، وهيمنة العلاقات الشخصية.
العلاقة المثالية بين الناقد والكاتب يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل دون خوف أو عداء. النقد ليس خصومة، بل حوار معرفي.
• متى يكون النص الشعري قريباً من المتلقي برأيك؟ وما القصيدة التي تسكنك رغم تقلبات العمر؟
– يكون النص الشعري قريباً من المتلقي حين ينطلق من تجربة إنسانية صادقة، دون ادعاء أو تعقيد مصطنع؛ حين يشعر القارئ أن القصيدة تلمسه لا تخاطبه من برج عاجي.
أما القصيدة التي تسكنني، فهي تلك التي كُتبت بصدق كامل، دون حسابات للنشر أو التلقي. القصائد الصادقة تعيش خارج الزمن، وتظل قادرة على ملامسة الروح مهما تغيّرت الأعمار.
• كيف ترى الحراك الثقافي العربي بشكل عام، وفي مصر بشكل خاص؟
– الحراك الثقافي العربي يشهد حالة من التذبذب؛ هناك طاقات إبداعية حقيقية، لكنها تصطدم بضعف المؤسسات وغياب الدعم، وهيمنة السوق أحياناً.
في مصر، ورغم التحديات، ما زالت الثقافة حاضرة بعمقها التاريخي، لكننا بحاجة إلى سياسات ثقافية عادلة تتيح الفرصة للمواهب الحقيقية، وتكسر المركزية والشللية، وتعيد الاعتبار لدور المثقف.