الحرية – ثناء عليان:
يكتسب مفهوم السلم الأهلي أهمية مركزية في الخطاب السياسي والاجتماعي في البلدان التي شهدت حروباً طويلة مدمّرة مثل سوريا، ويُطرح بوصفه أحد المفاتيح الأساسية للعبور من حالة الحرب إلى حالة اللا اشتباك أو بصيغة أكثر تحضراً الاستقرار، كما أكد الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة اللاذقية الدكتور ذو الفقار عبود لصحيفتنا “الحرية”.
كما أن الأمن والسلم الأهلي ـ حسب عبود- يضمن الاستقرار لحياة المواطن بحيث تصبح له ركائز ثابتة في مجتمعه تحفظ له وجوده وكيانه، وتعلقه بأرضه ووطنه، فالاستقرار والاطمئنان في حياة الفرد عامل ضروري لحفظ توازنه الاجتماعي والثقافي والعقائدي، وهو الخطوة لكل تنمية والأساس لكل استقرار.
وأكد أن توفير الأمن للإنسان هو مطلب أساسي لكل مواطن في المجتمع دون استثناء، ومن هنا لا بد لكل فرد في مجتمعنا أن يدرك أهمية السلم الأهلي، ويعطيه كل الأهمية والعناية القصوى، وينبذ العنف ويحل مشاكله بالتروي والحكمة بعيدًا عن التعصب العائلي والطائفي، ويحافظ على النسيج الاجتماعي، لأن أمن المجتمع من أمنه، ولأن السلم الأهلي هو المنطلق الأساسي لكل تقدم اجتماعي.
بدوره قال الشاعر أحمد فتوح: مما لا شكّ فيه أنّ السلم الأهلي والحوار والتعايش بين أبناء الشعب، تمثل عناصر أساسية في بناء مجتمع مستقر وآمن، بعد سنوات مريرة صعبة عشناها بكل ما فيها من العذاب والقهر والألم من نظام مستبد ديكتاتوري ظالم، مؤكداً أن تعزيز هذه القيم يسهم بشكل كبير في تشكيل نسيج اجتماعي متماسك قوي، بعد أن تعرض للتفكك الطائفي المقيت الذي كرّسه ذاك النظام البائد.
وبيّن فتوح أن للسلم الأهلي فوائد جمّة لعل في مقدمتها استقرار المجتمع، إذ يساعد في تقليل التوترات والنزاعات بين مختلف المكونات الاجتماعية والدينية، من خلال تعزيز الحوار والتفاهم، وبالتالي يساعد في تحقيق العدالة والمساواة، ويسهم في بناء مجتمع متماسك مستقر آمن.
وبرأيه إن السلم الأهلي والحوار والتعايش والتعاون بين السوريين يؤدي إلى مواجهة التحديات المشتركة ويعزز من روح التضامن ويقوي العلاقات الاجتماعية خلال الأزمات، ولكي يتحقق لا بد من خلق حوارات مفتوحة بين مختلف فئات المجتمع المتنوعة دينياً وثقافياً واجتماعياً، ونشر ثقافة التسامح والسلام وضمان تحقيق العدالة الاجتماعية والانتقالية، وتشجيع المشاركة السياسية، وخلق فرص العمل والشروط الإقتصادية المثلى، وتنشيط دور القيادات الاجتماعية والدينية في خلق فرص اللقاءات والحوارات المباشرة للتفاهمات البنّاءة بين أفراد المجتمع، إضافة إلى تنشيط وسائل الإعلام والسوشال ميديا في خلق وتبني ثقافة السلم الأهلي والتسامح بين أفراد المجتمع.
الشاعرة سميا صالح أكدت أن السلم الأهلي والحوار والتعايش بين السوريين من أعظم الركائز التي تضمن بقاء الوطن واستقراره، وهو الوسيلة الحضارية الوحيدة لحل الخلافات، والطريق نحو فهم الآخر مهما اختلفت الانتماءات السياسية أو الطائفية أو القومية، لافتة إلى أن التعايش يقوم على الاحترام المتبادل والإعتراف بحق كل فرد في الحياة والكرامة والأمن دون تمييز أو إقصاء.
وأكدت على ضرورة نبذ ثقافة الثأر و الانتقام، لأنها لا تجلب إلا المزيد من الألم والدمار وتمنع المجتمعات من التعافي، وفي هذا السياق فإن التعاون والتعاضد بين السوريين واجب وطني وأخلاقي، فمهما فرّقتهم السنوات يبقى المصير مشتركاً ولا يمكن النهوض إلا بتكاتف الجميع من مختلف المناطق والانتماءات، كما أن الدولة ممثلة بالأمن الوطني وبسط سلطة القانون هي الجهة الشرعية الوحيدة المسؤولة عن حماية جميع السوريين، وضمان حقوقهم يجب أن يكون بتطبيق قانون عادل وشامل، يشعر كل مواطن أن كرامته مصانة وأن العدالة تُطبّق دون محاباة أو انتقام.
وتختم صالح مؤكدة أن لا نهضة لسوريا دون سلم أهلي دائم، ولا سلم من دون عدالة ومساواة وحوار، هذه المبادئ هي التي تفتح الطريق أمام عودة اللاجئين، إعادة الإعمار، واستعادة مكانة سوريا بين الدول.
الناقد التشكيلي والمؤرخ الموسيقي أديب مخزوم أكد أن كل شيء يفقد قيمته ومعناه بدون أمن وأمان، وهذا موضوع الساعة، في هذه المرحلة التاريخية التي نعيش فصولها اليومية، ومطلب عام وأساسي وجوهري لمجتمع خارج للتو من سنوات الحرب، التي أستمرت 14 عاماً، وانتهت بسقوط النظام السابق.
وحتى لا تضيع فرصة بناء سورية الجديدة، القائمة على أسس دستورية وقانونية، تضمن حقوق كل الأفراد دون تمييز، يجب نبذ لغة التحريض و الانتقام، وإحلال لغة الحوار الوطني، الجامع لكل أطياف المجتمع السوري، ضمن إطار القانون المدني، الذي يضمن حقوق الجميع، على أساس المواطنة، وهذا يضمن تحقيق السلم الأهلي وأسس العدالة الاجتماعية، ويعمل على بث الرفاهية، ويؤدي إلى ازدهار الحياة الثقافية بكل تفرعاتها الفكرية والفنية والأدبية.