الحرية- لوريس عمران :
تعد عملية إصلاح الإدارة العامة في مراحل ما بعد الصراع مساراً سياسياً ومؤسساتياً معقداً، يتجاوز الأبعاد التقنية الصرفة ليمس جوهر استعادة الشرعية وبناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ومع تولي الحكومة السورية الجديدة مهامها، يبرز هذا الملف كاختبار حقيقي لقدرتها على تفكيك إرث ثقيل من الترهل والفساد، والانتقال نحو هيكلية توازن بين الكفاءة والعدالة الاجتماعية.
رؤية اقتصادية لواقع المؤسسات
وفي هذا السياق أكد الخبير الاقتصادي في جامعة اللاذقية الدكتور علي ميا لـ” الحرية” أن الإصلاح الإداري يمثل حجر الزاوية في عملية التعافي الوطني، معتبراً أن نجاح الحكومة في هذا الملف مرهون بالقدرة على إحداث قطيعة معرفية وإجرائية مع الأنماط التقليدية التي سادت لعقود.
وأشار الدكتور ميا إلى أن التحدي الأكبر يكمن في معالجة “التكلس الوظيفي” الذي أصاب مفاصل الدولة، حيث تحولت الكثير من المؤسسات إلى هياكل متضخمة تفتقر إلى الفاعلية الإنتاجية، مشدداً على أن استعادة الكفاءات المهاجرة وربط المسار الوظيفي بمعايير النزاهة والإنجاز هو الممر الإلزامي لأي تطوير حقيقي.
جدلية الأجور والنزاهة الإدارية
ولفت الخبير الاقتصادي إلى ضرورة الربط الوثيق بين الإصلاح الإداري والواقع المعيشي، موضحاً أن أي محاولة لمكافحة الفساد لن تؤتي ثمارها ما لم تترافق مع سياسات إجرائية عادلة تضمن كرامة الموظف وتحد من تسرب الكوادر نحو القطاع الخاص أو الخارج.
وبين الدكتور ميا أن المرحلة الراهنة تتطلب الانتقال من لغة الشعارات والخطط الورقية إلى حيز السياسات التنفيذية التي يشعر المواطن بآثارها المباشرة في جودة الخدمات وسرعة الإجراءات، مؤكداً أن التحول الرقمي يجب أن يوظف كأداة سيادية لتقليص الهدر وضبط النفقات العامة.
التأسيس لمرحلة جديدة
وأشار الدكتور ميا إلى أن الحكومة اليوم أمام استحقاق تاريخي يفرض عليها تغليب المعايير المؤسساتية على الحسابات الضيقة، لضمان بناء إدارة عامة مرنة قادرة على قيادة قاطرة التنمية في سوريا المستقبل، بما يحقق العدالة في الفرص والشفافية في الأداء، ويؤسس لمرحلة جديدة قوامها الثقة المتبادلة بين المواطن ومؤسساته الوطنية.