إعادة الإعمار بين العام والخاص والمنظمات غير الحكومية.. من أين نبدأ؟

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرّية – هبا علي أحمد:

يلعب القطاع الخاص دوراً رئيسياً ومحورياً في عملية التنمية الاقتصادية من خلال المساهمة الفعّالة في تنشيط الحياة الاقتصادية ورفع معدلات النمو والحد من الفقر، لذلك فإن تطوير مكانة وأداء القطاع الخاص يُعد قضية محورية وهامة يجب أن ترتكز عليها السياسات الاقتصادية بما ينعكس إيجاباً على النشاط الاقتصادي.

تلعب المنظمات الدولية دوراً محورياً في إعادة إعمار سوريا من خلال توفير التمويل والمساعدات الإنسانية والتقنية

وفي ظل مرحلة إعادة الإعمار وضرورة تكاتف جهود العام مع الخاص مع المنظمات غير الحكومية لإنجاز هذا الملف المُلّح، يبرز السؤال عن دور القطاع الخاص بما فيه المنظمات غير الحكومية إلى جانب المنظمات الإقليمية والدولية في إعادة الإعمار وكيف يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تتحول إلى شريك فاعل في التنمية الاقتصادية المستدامة، خاصة في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتأهيل القوى العاملة؟

استراتيجية وطنية

في السياق، تبرز الحاجة إلى وضع استراتيجية وطنية لتطوير القطاع الخاص تعكس الفهم الصحيح والتصور الواضح لآليات وسبل تفعيل دور هذا القطاع في النشاط الاقتصادي.
الخبير الاقتصادي فاخر القربي يرى في تصريح لـ«الحرّية» أن تلك الاستراتيجية ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية وهي: تحسين وضعية مناخ الأعمال، وتوفير التمويل اللازم، والشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام.

من أولويات إعادة الإعمار التركيز على استعادة الأراضي الزراعية وتشغيل المصانع وتوفير فرص عمل

وقال الخبير الاقتصادي إن هذه المحاور تعتبر أولويات في تطور مكانة القطاع الخاص وتحسين أدائه، حيث يظهر الدور الوطني للمنظمات غير الحكومية من خلال استراتيجيتها وخططها للتأثير أكثر في البنية الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، إذ يتجلى دورها في دعم مشاريع وخطط التنمية الشاملة والمستدامة بحيث تكون شريكاً للدولة في تنفيذها ومراقبة حسن أدائها ورصد التجاوزات والمخالفات التي تعترضها.
يُضاف إلى ما سبق، اقتراح قوانين وأنظمة ولوائح وتقديمها إلى البرلمانات والجهات التشريعية والحكومات والسعي من أجل بناء مواطنة متساوية وكاملة ودون تمييز بسبب الدين أو اللغة أو العرق أو المذهب أو الجنس أو المنحدر الاجتماعي أو غير ذلك، والعمل على بناء قدرات الأفراد وتنمية مهاراتهم وتدريبهم ليسهموا في مجتمعاتهم وفي مؤسساتهم المهنية والنقابية للدفاع عن مصالح منتسبيها وعن مصالح المجتمع ككل، إلى جانب تشجيع الجهود التطوعية والمبادرات الفردية والجماعية بما يعزز التضامن والتكافل والتعاون والمساندة بين جميع الفعاليات الاجتماعية.

– إعادة الإعمار ودور القطاع الخاص..

تتمحور استراتيجية إعادة إعمار سوريا حول تفعيل دور القطاع الخاص والشراكات مع التركيز على القطاعات الأساسية كالطاقة والزراعة والبنية التحتية والخدمات،حيث تهدف هذه الاستراتيجية إلى تأمين التمويل الوطني والدولي وتعزيز الإنتاج المحلي وتشجيع استثمارات السوريين في الخارج وتعتمد على رؤية شاملة للتنمية المستدامة مع مراعاة تحدّيات مثل الحاجة إلى استقرار مجتمعي وتشريعات داعمة.

هناك حاجة لوضع استراتيجية وطنية لتطوير القطاع الخاص تعكس الفهم الصحيح والتصور الواضح لآليات وسبل تفعيل دور هذا القطاع في النشاط الاقتصادي

ويستعرض الخبير الاقتصادي محاور الاستراتيجية المذكورة على النحو التالي:
– تمويل عملية الإعمار: الاعتماد على التمويل الوطني من الحكومة والمؤسسات والأفراد السوريين.
– تأسيس صندوق سيادي للإعمار برأس مال أولي.
– تشجيع الاستثمارات الأجنبية عبر الشراكات، خاصة مع الدول العربية، وتوفير الحوافز لجذبها.
– تطوير القطاعات الأساسية:
*الزراعة: توفير مستلزمات الإنتاج ودعم الثروتين الحيوانية والنباتية لتعزيز الأمن الغذائي والصادرات.
*الطاقة: إعطاء الأولوية لقطاع الكهرباء نظراً لدوره في تشغيل المصانع والمستشفيات وهو ما يدعم عجلة الإنتاج.
*البنية التحتية: إعادة تأهيل المجمعات السكنية والتجارية وإعادة بناء شبكة الطرق.
*الصناعة: إعادة تشغيل المصانع القائمة وإنشاء مصانع جديدة لخدمة السوق المحلية والتصدير.
*الخدمات العامة: التركيز على الصحة والتعليم لتحقيق الاستقرار الاجتماعي وضمان توفير فرص للأجيال القادمة.

آليات التنفيذ

ويوضح القربي أن تلك الاستراتيجية تحتاج إلى آليات تنفيذ تقوم على:
-الشراكات مع القطاع الخاص: تفعيل دور الشركات الوطنية والعالمية في مجالات البناء الصناعة والطاقة عبر المعارض والمنتديات.
-تحفيز الاستثمار: تقديم إعفاءات ضريبية للمشاريع التي تستخدم تقنيات مستدامة.
-التركيز على المحلي: توجيه تمويل الإعمار بحيث يعكس احتياجات وتطلعات المجتمعات المحلية.
-الاستفادة من الركام: إعادة تدوير ركام الحرب لتوفير المواد محلياً، ما يقلل تكاليف النقل والإنتاج.
-التشريعات الداعمة: إصدار قوانين تحفز الاستثمار في قطاع إعادة التدوير وتوفر الحوافز للمستثمرين.

الأولويات

وعن الأولويات في عملية إعادة الإعمار يرى القربي أن من أبرز الأولويات التركيز على استعادة الأراضي الزراعية وتشغيل المصانع وتوفير فرص عمل مع تأجيل مشاريع الإسكان لحين إعمار المناطق المتضررة، تحقيق الاستقرار من خلال دعم قطاعي الصحة والتعليم، إلى جانب دمج مفاهيم الاستدامة في مشاريع الإعمار لضمان نتائج طويلة الأمد.

دور المنظمات الدولية

وحول دور المنظمات الدولية في عملية إعادة إعمار سوريا، أشار القربي إلى أن المنظمات الدولية تلعب دوراً محورياً من خلال توفير التمويل والمساعدات الإنسانية والتقنية، حيث يشمل هذا الدور تمويل مشاريع البنية التحتية والقطاعات الحيوية مثل الطاقة والصحة والتعليم ودعم الاقتصاد عبر جذب الاستثمار الخاص وتقديم استشارات لإصلاح القطاع العام.
ورغم ما تواجهه هذه العملية من تحدّيات سياسية واقتصادية وأمنية تعيق تسريعها بما في ذلك العقوبات المفروضة والعقبات أمام تنفيذ الإصلاحات اللازمة، لفت القربي إلى أنه لا بدّ من تعزيز دور المنظمات الدولية ودفعها قُدماً لتوظيف استراتيجياتها من خلال:
– توفير التمويل: تقدم المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى جانب الدول المانحة ومنظمات مثل الاتحاد الأوروبي والصليب الأحمر تمويلاً مباشراً للمشاريع وتدعم الجهود الإنسانية في سوريا.
– إصلاح القطاع العام: تقترح بعض المنظمات مقاربات تركز على إصلاح القطاع العام بما في ذلك إعادة هيكلة المالية العامة ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي وتحسين أداء المؤسسات.
– دعم الاستقرار الاقتصادي: تهدف المنظمات إلى تحفيز الاقتصاد السوري من خلال دعم القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار وتوفير بيئة استثمارية جاذبة وتقديم المساعدة الاقتصادية لدعم الاستقرار الداخلي.
– تحسين الخدمات الأساسية: مثل الخدمات الصحية والتعليمية لتسهيل عودة النازحين وتحقيق التعافي الشامل.
– تقديم الخبرات التقنية: تقدم المنظمات خبراتها ومعاييرها التقنية في مجالات مثل استعادة البنية التحتية الحيوية بما في ذلك الطاقة والخدمات الإنسانية لضمان تنفيذ المشاريع بكفاءة.

الشفافية والمساءلة

ولدى سؤالنا عن أهمية تطبيق معايير الشفافية والمساءلة على عمل المنظمات غير الحكومية والجهات الحكومية لضمان وصول التمويل إلى مستحقيه ومنع الفساد، أشار القربي إلى أن الشفافية في عمل المنظمات غير الحكومية في سوريا تواجه جملة من التحدّيات بسبب المخاوف الأمنية وغياب إطار قانوني واضح يضمن المساءلة المتبادلة، حيث إن نسبة كبيرة من هذه المنظمات لا تنشر تقاريرها علناً لأسباب تتعلق بالخوف من الإشاعات أو اعتبارها مسائل داخلية خاصة.

تحدّيات الشفافية

*مخاوف أمنية: تعتبر المخاوف الأمنية والخوف من ردة فعل المجتمع من أبرز الأسباب التي تدفع المنظمات لعدم نشر تقاريرها.
*غياب إطار قانوني واضح: هناك حاجة لإنشاء نظام قانوني واضح وملزم يوفر آليات مساءلة متبادلة وشفافة.
*أسباب داخلية: بعض المنظمات ترى أن تقاريرها مسائل خاصة ولا يجب نشرها للعامة.

جهود تحسين الشفافية

*قانون جديد: حيث تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية على صياغة قانون عصري لعمل المنظمات غير الحكومية يهدف إلى تحقيق مبادئ العدل والشفافية والمساواة وتم تشكيل لجان مختصة وتشكيل فريق عمل لصياغة قانون جديد ينظم عمل المنظمات غير الحكومية.
*المنصات التنسيقية: هناك حاجة لإنشاء منصات تنسيق تتطلب من المنظمات غير الحكومية مشاركة الخطط والموارد والبيانات ما يقلل من التكرار ويحسن التنسيق.
*مشاركة المجتمع المحلي: يعتبر إشراك المجتمعات المحلية في تقييم المشاريع وتقديم الشكاوى ضرورياً لزيادة الشفافية والمساءلة.
آليات المساءلة: ندعو بعض المنظمات الحقوقية إلى نشر تقارير التحقيقات الكاملة وحماية الشهود وتوسيع نطاق المحاسبة لضمان تحقيق العدالة والإصلاحات المؤسسية.

Leave a Comment
آخر الأخبار