الحرية ـ سامي عيسى:
احتفالات التحرير التي تعم ربوع سوريا اليوم ليست مجرد استذكار لانتصار عسكري أو أمني، بل هي إعلان عن انطلاق مرحلة جديدة تتطلب منا جميعاً، كدولة ومواطنين، تحويل هذا النصر إلى تحرير اقتصادي شامل، فما قيمة استعادة الأرض إذا لم نستعد معها القدرة على الإنتاج، وتأمين لقمة العيش الكريمة للمواطن..؟
لقد فرضت علينا سنوات الحرب والحصار نمطاً اقتصادياً قائماً على “الصمود” و”الاستهلاك الضروري”، حيث كانت الأولوية لتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات في ظل ظروف استثنائية، واليوم ومع استقرار الجبهات وعودة الأمان إلى المدن الصناعية والزراعية، يجب أن نعلن نهاية هذا النمط، والتحول الجذري نحو اقتصاد الإنتاج والنمو المستدام.
وبالتالي فإن الاحتفال الحقيقي بالتحرير يكمن في عودة دوران عجلة المصانع بكامل طاقتها، وفي استصلاح كل شبر من الأراضي الزراعية، التحرير يعني أن نصبح أقل اعتماداً على الاستيراد، وأكثر قدرة على توطين الصناعات الاستراتيجية، من الأدوية إلى المواد الغذائية.
إن الأمان الذي تحقق هو أغلى رأسمال يمكن أن تمتلكه الدولة اليوم، هذا الأمان يمثل الفرصة التاريخية لجذب الاستثمارات، سواء من رؤوس الأموال الوطنية المهاجرة أو من الدول الصديقة.
لكن هذا يتطلب من الحكومة الجديدة اتخاذ قرارات جريئة ومحورية أهمها:
1- تأمين حوامل الطاقة: لا يمكن للصناعة أن تنهض دون توفير مستدام لحوامل الطاقة بأسعار تنافسية، يجب أن يكون هذا الملف هو الأولوية القصوى لضمان استمرارية الإنتاج.
2- مكافحة الفساد الإجرائي: يجب تحرير المستثمر من البيروقراطية المعقدة التي تعيق الترخيص والتشغيل، إن تبسيط الإجراءات هو شكل من أشكال التحرير الاقتصادي.
3- ربط التعليم بالإنتاج: يجب أن نوقف هجرة الكفاءات عبر الاستثمار في التعليم التقني والمهني، وتأهيل جيل قادر على قيادة التكنولوجيا الحديثة في مرحلة البناء.
إن مسؤولية التحرير الاقتصادي لا تقع على عاتق الحكومة وحدها، فالمواطن السوري الذي صمد لعقود، هو اليوم شريك أساسي في هذه المعركة الجديدة.
يجب أن نتبنى ثقافة تفضيل المنتج الوطني، ودعم المزارع والصناعي المحلي، حتى لو كان ذلك يتطلب بعض التضحية في البداية، إن كل ليرة تنفق على منتج سوري هي استثمار في مستقبل الأجيال، وهي خطوة نحو تعزيز قيمة الليرة السورية ووقف انهيارها.
وما احتفالات التحرير اليوم إلا تجديد للعهد، بأن سورية لن تعود إلى الوراء، النصر العسكري اكتمل، والآن حان وقت النصر الاقتصادي، الذي يبدأ من الإرادة الوطنية للإنتاج والبناء.
فخلاصة القول إن التحرير الحقيقي لسوريا يبدأ من المصنع والحقل، الدعوة لتحويل النصر العسكري إلى تحرير اقتصادي عبر دعم الإنتاج، مكافحة البيروقراطية، وتأمين حوامل الطاقة وغير ذلك كثير…
الاحتفال الحقيقي يبدأ من المصنع والحقل
Leave a Comment
Leave a Comment