الحرية- ثناء عليان:
تمثّل عودة الاستثمارات السعودية إلى سوريا تطوراً محورياً في المشهد الاقتصادي والسياسي للبلاد، إذ تُعدّ فرصة نادرة لدفع عجلة التعافي الاقتصادي، لكنها في الوقت ذاته قد تحمل مخاطر كامنة ما لم يتم توجيهها وتنظيمها بحكمة من قِبل الدولة السورية، هذا ما أكده الباحث في الإدارة العامة علي إسماعيل لصحيفتنا “الحرية”.
أهمية الاستثمارات سياسياً
وبيّن اسماعيل أهمية الاستثمارات السعودية في سوريا من عدة نواحٍ فمن الناحية السياسية تُعد هذه الاستثمارات إشارة قوية لدعم الدولة السورية، وتؤكد على رغبة السعودية بإعادة سوريا إلى الحاضنة العربية، وتوجد توازناً إقليمياً، إضافة إلى كسر العزلة الدولية، فنجاح المشاريع السعودية في سوريا قد يفتح الباب أمام استثمارات من دول عربية أخرى مثل الإمارات، العراق، الأردن، وربما لاحقاً دول غربية، وتحقق شراكة استراتيجية طويلة الأمد، لأن الاستثمار في قطاعات نوعية كالإسمنت، الاتصالات، الأبراج التجارية، يعكس نية سعودية لبناء تموضع اقتصادي مستدام في عمق الاقتصاد السوري.
اسماعيل: تدعم إعادة الإعمار وتشغيل قطاعات انهارت خلال سنوات الحرب
ومن الناحية الاقتصادية المحتملة أكد إسماعيل أن الاستثمارات توفر فرص عمل، ومن المتوقع أن تساهم في قطاعات البنية التحتية، الصناعة، الاتصالات، الطاقة، والسياحة في توفير آلاف الوظائف، بحسب المرسوم 114 لعام 2025، الذي يُلزم المستثمرون بتشغيل 60% على الأقل من اليد العاملة السورية، كما ستدعم هذه الاستثمارات عملية إعادة الإعمار وتشغيل قطاعات انهارت خلال سنوات الحرب، كما يمكن الاستفادة من الخبرات السعودية في إدارة الخدمات.
وأشار إسماعيل إلى أن الاستثمارات تساهم في تحفيز القطاع الخاص المحلي إذ أن الاستثمارات السعودية الكبرى ستحتاج إلى شركات وطنية صغيرة ومتوسطة كشركاء أو مقاولي تنفيذ، مما يدفع بتطور بيئة ريادة الأعمال، كما يشكل دخول شركات أجنبية عامل ضغط يدفع الصناعيين المحليين لتطوير منتجاتهم وتحسين كفاءتهم التنافسية.
معوقات الاستثمار
وعن المعوقات التي تواجه هذه الاستثمارات ذكر إسماعيل أن هناك معوقات تشريعية وتتمثل في غياب التنسيق بين قانون الاستثمار والقوانين القطاعية الأخرى، وعدم وجود قانون واضح ينظم الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)، وبطء إجراءات التقاضي، وغياب نظام فعال للتحكيم التجاري، واستمرار العقوبات الدولية (مثل قانون قيصر) أو تشديدها.
كما أن هناك معوقات لوجستية وتتمثل بتهالك البنية التحتية وصعوبات في النقل والتخليص الجمركي، ومعوقات أمنية منها استمرار التوترات الأمنية، وانتشار السلاح خارج الدولة، وعدم اكتمال إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية بما يضمن بيئة مستقرة للاستثمار.
وعن كيفية تنظّيم الدولة لهذه الاستثمارات أكد إسماعيل ضرورة مواجهة الخلل الجغرافي، فمعظم الاستثمارات تتركز في دمشق وريفها، ما قد يعمّق الفجوة التنموية بين المحافظات، والحل هو وضع خارطة استثمار وطنية مبنية على معايير، تحديد القطاعات ذات الأولوية، وتحديد المحافظات الأكثر احتياجًا، وربط الترخيص بتحقيق تنمية فعلية في الموقع المستهدف، وتوجيه المستثمرين نحو الشراكة مع شركات محلية.
أولويات الاستثمار
أما أولويات الاستثمار في سوريا فقال اسماعيل : يجب أن تكون في البنية التحتية والخدمات الأساسية: (كهرباء، نقل، مياه، شبكات)، والصناعات التحويلية القائمة على الموارد المحلية لتقليل الاستيراد، وفي الزراعة والصناعات الغذائية من خلال دعم الري واستصلاح الأراضي، والتصنيع الغذائي (عصائر، تعبئة، تجفيف)، والإعمار والتطوير العقاري، مع ربطه بعدالة التوزيع الجغرافي واحتياجات السكان، والقطاع الصحي بإعادة تأهيل المشافي، وتصنيع الدواء، وبناء مراكز صحية جديدة.
ولفت إلى أنه على الحكومة أن تسهّل بيئة الاستثمار من خلال التطبيق الجاد لـ المرسوم التشريعي رقم 114 لعام 2025 الذي تتضمن قانون الاستثمار رقم ١٨ وقدم عدة حوافز منها: منع الحجز الاحتياطي أو فرض الحراسة إلا بقرار قضائي، حظر نزع الملكية إلا بحكم وتعويض عادل، حماية المشاريع من الرسوم والضرائب خلال فترة التأسيس، ومنح المستثمر حق الاعتراض والطعن القانوني، وإلزام الجهات الحكومية بالرد على طلبات الترخيص خلال 30 يوم عمل، وإعفاءات جمركية وضريبية للمعدات الطبية والصناعية، وإعفاء ضريبي كامل لبعض المشاريع الزراعية والحيوانية، إنشاء مراكز تحكيم تجاري لحل المنازعات الاستثمارية.