الحرية- مركزان الخليل:
يكثر في هذه الفترة الحديث عن الاستثمار بكل أشكاله وألوانه، من دون أن ننسى أحاديثه السابقة التي شغلت اهتمام الحكومات وأهل المال، ليس على المستوى الداخلي فحسب، بل الخارج أيضاً، إلا أن ترجمة ذلك على أرض الواقع، لم يكن بالمستوى المطلوب، لأمور عدة، منها ما يتعلق بالأرضية والبيئة المناسبة لهذه الاستثمارات، وحتى طبيعة المصالح المرتبطة بها، وأخرى تتعلق بالظروف السياسية التي تتبنى رؤوس الأموال وأصحابها، لكن الأهم من ذلك كله، العقل البشري الذي يحركها، وهذا الاستثمار الوحيد الذي لم يأخذ طريقه الصحيح، لتحقيق فرضية استثمار كفاءاته وخبراته، وتطويعها لخدمة الاستثمارات الأخرى، وهذا ما يبدو واضحاً في تجاهل الكثير من الإبداعات، والاختراعات وفرضيات العقل التي تسعى لتحقيق عوائد اقتصادية ومادية كبيرة، أساسها استثمار الخبرات البشرية .
العقل البشري في “سوريا” الاستثمار الوحيد الذي لم يأخذ طريقه الصحيح، لتحقيق فرضية استثمار كفاءاته وخبراته، وتطويعها لخدمة الاستثمارات الأخرى..!
للأسف هذا الواقع..!
لكن بالنظر إلى الواقع السوري ما زال لدينا الكثير من المشكلات المتعلقة بهذا الاتجاه، وخاصة النظرة الصحيحة للكفاءات والخبرات، وقدرة المواطن السوري، على تغيير الواقع بما يمتلك من قدرات علمية وكفاءات أثمرت كثيراً في بلدان مختلفة، هاجرت إليها لأسباب مختلفة، أهمها طلب الحماية والأمان، الأمر الذي شكّل حالة ضعف في طبيعة الاستثمار المحلي، والحياة الاقتصادية والاجتماعية المتنوعة، والتي تثير مجموعة أسئلة فرضت نفسها على الواقع الحالي، منها على سبيل المثال:
كيفية الاستثمار في العنصر البشري، لتطوير الحالة الاقتصادية العامة في سوريا، وما وسائل تطوير هذا الجانب، وانعكاسها بصورة مباشرة على أداء الإدارة الإدارية والاقتصادية في سورية، وخاصة أنه هناك تراجع ومعاناة كبيرة في هذا المجال، والأهم ما الآليات المناسبة، لإعادة توزيع المسؤوليات، وتكامل الأدوار الوظيفية، لضمان توافق العمل مع هوية المرحلة الجديدة..؟
بحاجة للتوضيح أسئلة بحاجة لإجابة واضحة وصريحة من أهل السلطة، قبل أهل الرأي والمشورة، وأصحاب الرأي الاقتصادي، لكن رأي الأخير هم الأقدر على التشخيص الفعلي ووضع الحلول ضمن ظروف شبيهة بظروفنا الحالية.
عربش: أزمة “14سنة” عانت فيها سوريا تداعيات صعبة، أدت لنزوح الكثير من خبراتها، وهذه بدورها أدّت إلى خلل كبير في ميزان القوى العاملة، والهرم السكاني فيها
وهنا يدخل على خط الرأي الخبير الاقتصادي الدكتور شفيق عربش في معرض رده على الأسئلة السابقة، مؤكداً فيه أن سوريا خسرت خلال الفترات الماضية قسماً كبيراً من كوادرها البشرية، وتجمدت عمليات التدريب والتأهيل، ومواكبة مستجدات العصر، خلال السنوات الماضية “14” سنة من الصراع، وهذا ليس بالأمر السهل على أي دولة في العالم مهما كانت، فكيف هو الحال لسوريا التي عانت كثيرة من تداعيات ظروف حرب أدت إلى نزوح الكثير من خبراتها، والتي أدت بدورها إلى خلل كبير في ميزان القوى العاملة، والهرم السكاني في سوريا.
وأوضح “عربش” أننا اليوم نعيش في مجتمع بدأ يأخذ طريقه باتجاه المجتمع الحر، لذلك الاستثمار في العنصر البشري، أمر ضروري وحيوي، وهذا يتطلب دورات تدريبية مكثفة، للعاملين في القطاع العام والخاص على السواء، كلاً بحسب مجاله.
إعادة إحياء
وبالتالي نحن بحاجة إلى إعادة إحياء البيروقراطية الإدارية بالمعنى الإيجابي لها، وأقصد هنا: ليست البيروقراطية التي كنا نعيشها، والتي تقوم على تعقيد الأمور، وإنما على مجموعة كبيرة من العاملين الذين يدركون ويعرفون، آلية سير الأضابير والإجراءات اليومية، واتخاذ القرار بالشكل الصحيح، أي مجموعة ما تسمى عالمياً “بالتكنوقراط”. وهذا الأمر لا بد أن يسير باتجاهين الأول: جانب سريع يستهدف العاملين الذين ما زالوا على رأس عملهم، والجانب الثاني أن يكون على المدى المتوسط والبعيد، والقاضي بإعادة النظر بالمناهج التعليمية كلها، وخاصة أن مناهجنا التعليمية ما زالت تعاني من تقادمها البعيد .
عربش: الإدارة في سوريا نخرها الفساد، وقضى عليها الخمول، وبالتالي خمول مع فساد أدّيا إلى تباطؤ الحكومة في إطلاق الإصلاحات اللازمة وعلى كل المستويات…
وفي حقيقة الأمر الإدارة في سوريا، نخرها الفساد، وقضى عليها الخمول، وبالتالي خمول مع فساد “أدى ويؤدي الآن” إلى تباطؤ الحكومة في إطلاق الإصلاحات اللازمة وعلى كل المستويات، ونحن بحاجة الآن إلى إعادة النظر بقانون العاملين الأساسي “50” للعام 2004، وقانون العمل رقم “17” للعام 2008، وبحاجة أيضاً على مستوى الإدارة العامة إلى توصيف وظيفي دقيق، وأن ننتهي من حالة الترفيع الأتوماتيكي وتقادم الزمن على العاملين، مع وجوب تفاوت الرواتب الأجور، حسب الكفاءات والخبرات، في القطاعين العام والخاص، ووضع معايير للترقية.
مبنية على اجتهاد العامل في تطوير ذاته، ونقصد هنا بالعامل “الموظف”، هذا على المستوى الإداري، أما على المستوى الاقتصادي، أيضاً يجب إعادة النظر في هذه الآلية، وعدم التعامل مع الجميع بأنهم متساوون في كل شيء، لا بد من وجود المنافسة، والتنافس الإيجابي بين الموظفين والعاملين، للحصول على الترقية، وعلى المواقع الإدارية وغيرها.
وهنا نلاحظ جيداً أن سوريا خسرت عمالتها الماهرة، وبشكل كبير جداً خلال سنوات الأزمة، وهذا يؤثر في جودة الإنتاج الحالي.
مشروع وطني
لذلك نجد أن الاستثمار في العقل البشري مشروع وطني كبير، يجب أن يستند الى مبدأين أساسيين: الأول العلوم الحديثة والجديدة المستخدمة الآن في الإدارة، والثاني تكنولوجيا المعلومات التي أصبحت عاملاً مساعداً أساسياً، في العملية الإدارية، والمنافسة الشريفة بين الموظفين للارتقاء بأدائهم، مقابل محفزات مناسبة وإنصاف الجميع أثناء العمل بحيث يكافئ المجتهد على قدر اجتهاده وكفاءته، لا أن يتساوى المجتهد، مع الموظف الذي ما زال يعيش ضمن عقلية كانت سائدة “وفق مبدأ (خطي أعطيه الترفيعة)” الدورية التي يحصل عليها الموظف كل سنتين وفق القانون.