الحرية- إلهام عثمان:
بعد التحولات الجذرية التي شهدتها البلاد، يقف الاقتصاد السوري أمام تحدٍ مزدوج والذي يتلخص في كيفية التخلص من تركة ثقيلة خلفتها سنوات الحرب، ورسم ملامح مستقبل جديد يعتمد على أسس مختلفة كلياً، وفي هذا السياق، يمثل الوضع الاقتصادي حجر الزاوية في عملية إعادة بناء سوريا.
إرث مُدمر
وفقاً لتحليل معمق قدمه الدكتور عامر خربوطلي في حديث مع “الحرية”، فإنه لا يمكن فهم الواقع الحالي بمعزل عن المنعكسات السلبية التي خلفتها السنوات الماضية، لافتاً إلى أن النظام الجديد ورث اقتصاداً منهاراً؛ حيث انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة صادمة لا تقل عن 85%، وترافق ذلك مع تراجع هائل في متوسط الدخل الفردي، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة إلى مستويات قياسية، ما أدى إلى كساد عام وتدهور كبير في كافة القطاعات الإنتاجية والبنى التحتية.
ومعالجة هذا الإرث المعقد تتطلب جهداً استثنائياً ووقتاً طويلاً.

خبير اقتصادي: من الضروري تحقيق معدلات نمو تتجاوز 8% سنوياً وهو ما يستلزم استثمار ما يقارب 34% من الناتج المحلي
رؤية طموحة
تتجه الرؤية المستقبلية، كما يشير خربوطلي، نحو تصحيح المسار وإعادة بناء اقتصاد سوري جديد يقوم على قواعد المنافسة الحرة واقتصاد السوق ومبادئ الحوكمة الرشيدة، مبيناً أن الهدف الأسمى هو جعل سوريا بيئة جاذبة للاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية لتسريع عجلة النمو.
ولتحقيق زيادة ملحوظة في الناتج المحلي، يضيف خربوطلي، أنه من الضروري تحقيق معدلات نمو تتجاوز 8% سنوياً، وهو ما يستلزم استثمار ما يقارب 34% من الناتج المحلي، الأمر الذي يحتاج إلى ما لا يقل عن سنتين من العمل الاقتصادي المستمر.
واقع حذر
على الرغم من هذه الآمال، لا يزال الاقتصاد يعاني من مشاكل المرحلة السابقة، وفق رأي خربوطلي، حيث لم تشهد الساحة بعد قفزة استثمارية قادرة على إحداث فارق واضح في دخل المواطنين، فالأرقام لا تزال متواضعة؛ إذ من المتوقع ألا يتجاوز معدل النمو لعام 2025 نسبة 1%، وهي نسبة أدنى من معدل النمو السكاني البالغ 2.7%، ما يعني أن أي تحسن ملموس في المستوى المعيشي يبقى بعيد المنال على المدى القصير.
خريطة طريق
خلال العام المنصرم، اتبعت السلطات الاقتصادية مساراً إصلاحياً تضمن عدة خطوات، حسب رأي خربوطلي ومن أبرزها:
– الإصلاحات الهيكلية: والبدء بإجراءات مالية ونقدية، تمثلت في إصدار تعرفة جمركية جديدة وتعديل السياسات الاستثمارية.
– ثانياً مكافحة الفساد: والعمل على إصلاح الأنظمة الإدارية لرفع كفاءة العمل وتقليل الهدر.
– ومن خلال جذب الاستثمار: وعرض حزمة من المشاريع الحيوية في الطاقة والبنى التحتية على مستثمرين محليين ودوليين، أيضاً من خلال دعم الإنتاج.
– وبذل جهود لتحسين بيئة العمل في المدن الصناعية ومحاولة تأمين الطاقة.
– إلى جانب السعي لإنعاش القطاع الزراعي.
– وأخيراً عبر تفاهمات استراتيجية: من خلال التوصل إلى تفاهمات مبدئية حول استثمارات كبرى في المطارات والمرافئ والمجمعات العمرانية.
عقبات قائمة
لكن طريق التعافي لا يزال محفوفاً بعقبات جوهرية، هذا ما يؤكده خربوطلي، والتي تتخلص أبرز نقاطها وأهمها بـغياب الخرائط الاستثمارية الشاملة التي توضح الفرص والأولويات التنموية، وبطء الاستفادة من الانفتاح الخارجي بسبب عدم إزالة العقوبات الدولية بشكل كامل سابقاً، واستمرار صعوبات الاندماج في النظام المالي العالمي، ونقص الإمكانيات المالية لدى البنك المركزي، ما يحد من قدرته على تمويل التوسع الاقتصادي، مع استمرار انحباس السيولة في الأسواق، ما يسبب جموداً في النشاط الاقتصادي.
بصيص أمل
ويختم خربوطلي حديثه: في خضم هذه التحديات، برزت خطوة إيجابية هامة تمثلت في التحرير الكامل لتداول القطع الأجنبي، وإعادة افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية، لافتاً إلى أن لهذه الإجراءات كان أثر ملحوظ في استقرار سعر الصرف وتراجع عمليات المضاربة، ما يمثل نقطة ضوء في المشهد الاقتصادي الحالي.