الحرية – نهلة أبوتك:
يشهد الاقتصاد السوري مرحلة من الترقّب والأمل بعد الإعلان عن رفع العقوبات التي أثقلت كاهل البلاد لسنوات طويلة، تاركة أثرها الواضح على التجار والصناعيين والمواطنين على حد سواء.
فقد أرهقت القيود الاقتصادية حركة الأسواق وأضعفت الإنتاج، وأثّرت بشكل مباشر في حياة السوريين اليومية، لتأتي هذه الخطوة التاريخية كمفتاح لمرحلة جديدة عنوانها التعافي والانفتاح وإعادة التموضع على الخريطة الاقتصادية الإقليمية والدولية.
تاجر وصناعي ومواطن.. معاناة واحدة
لم يكن التاجر أقل تضرراً من المواطن، فالعقوبات عطّلت حركة الاستيراد والتصدير، وفرضت تكاليف إضافية على أصحاب الأعمال، وأغلقت أمامهم أبواب التعاملات المصرفية الخارجية.
أما الصناعي فقد واجه صعوبات في تأمين المواد الأولية وقطع الغيار والطاقة، ما أضعف القدرة الإنتاجية وأدى إلى توقف العديد من المعامل والمشاغل الصغيرة.
ومع بدء تنفيذ قرار رفع العقوبات، يأمل القطاع الخاص في مرحلة انتعاش تدريجي يعيد الثقة للأسواق المحلية، ويتيح للتجار والصناعيين إعادة ترتيب أوضاعهم واستعادة قدرتهم على المنافسة والإنتاج.
اللاذقية بوابة الاستثمار والتجارة الخارجية
وفي هذا السياق، قال رئيس غرفة تجارة وصناعة اللاذقية، أنس جود لـ«الحرية»: إن رفع العقوبات يشكّل بارقة أمل حقيقية للقطاعين التجاري والصناعي في سوريا، ويعيد الثقة إلى بيئة الاستثمار، خاصة في محافظة اللاذقية التي تمتلك موقعاً استراتيجياً يؤهلها لتكون بوابة رئيسية للتجارة الخارجية.
مضيفاً: المرحلة المقبلة تتطلب تسهيل الإجراءات وتحفيز رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية للمشاركة في إعادة الإعمار بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني ومعيشة المواطن.
وكشف جود أن الغرف التجارية والصناعية في المحافظات تستعد لإطلاق برامج دعم وتدريب موجهة لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، تمكّنهم من النهوض مجدداً والمساهمة في تحريك عجلة الإنتاج، بما يعزز النشاط الصناعي والتجاري في مختلف مناطق سوريا.
جود: برامج دعم وتدريب جديدة لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتحفيز الإنتاج المحلي
صناعة تتنفس من جديد
إن إعادة فتح قنوات التبادل التجاري وعودة الاستثمارات الأجنبية ستنعكس مباشرة على القطاع الصناعي، الذي يُعد العمود الفقري للاقتصاد السوري. فمع توافر المواد الأولية والطاقة ووسائل النقل الحديثة، يمكن للمصانع استعادة إنتاجها وتوسيع أسواقها، ما يساهم في خفض الأسعار وتحسين القدرة الشرائية للمواطن.
ويرى الخبراء أن رفع العقوبات يتيح للحكومة تطوير قوانين الاستثمار وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، بما يضمن تنمية متوازنة ومستدامة تعود بالنفع على مختلف شرائح المجتمع.
فرفع العقوبات لا يعني فقط انتعاش الأسواق، بل إعادة الأمل بواقع معيشي أفضل بعد سنوات من الضغوط الاقتصادية القاسية.
أهمية الجولات الاقتصادية والمشاركات الدولية
وأشار جود إلى أن الجولات الاقتصادية والمشاركات في الاجتماعات الدولية، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، بالإضافة إلى الزيارات الرسمية التي قامت بها الحكومة، تحمل أهمية كبيرة لإعادة تعريف موقع سوريا الاقتصادي على الصعيد الإقليمي والدولي وفتح آفاق جديدة للتعاون والاستثمار.
مؤكداً أن هذه التحركات الاقتصادية تعزز القدرة على النهوض بالواقع الاقتصادي وتحريك عجلة الإنتاج والتجارة، بما يسهم في إعادة الثقة للأسواق وتشجيع المستثمرين المحليين والأجانب على المشاركة في إعادة الإعمار.
فهي خطوة أساسية نحو التعافي الشامل وإعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي بعد سنوات من الحرب التي أثقلت المجتمع السوري من كافة النواحي.
ويأتي هذا التحرك في سياق سعي سوريا إلى الانتقال من اقتصاد مركزي منهك إلى نموذج أكثر انفتاحاً وتفاعلاً مع الأسواق الإقليمية والدولية، وإعادة تعريف موقعها في النظام الاقتصادي العالمي.
الاقتصاد الوطني بين الأزمة والفرصة
رفع العقوبات ليس مجرد قرار اقتصادي، بل بداية مسار وطني يتطلب تخطيطاً دقيقاً وإدارة شفافة لتوظيف الفرصة في خدمة التنمية والإعمار.
ومع تضافر جهود القطاعين العام والخاص، يمكن لسوريا استعادة دورها الاقتصادي في المنطقة، وتأكيد أن الإرادة أقوى من الحصار، وأن الاقتصاد قادر على التحول من أزمة إلى فرصة، ومن عبء إلى رافعة للتنمية والاستقرار.