الحرية ـ سراب علي:
يسير الاقتصاد السوري بخطوات مفصلية بعدما أنهكته الحرب والحصار والعزلة المالية، واليوم يشهد محاولات لإرجاعه إلى مكانته العربية والعالمية من خلال الرفع التدريجي للعقوبات الاقتصادية إضافة إلى المساعي الحكومية لاستقطاب المستثمرين، وعقد الاتفاقيات مع الدول العربية والغربية ،كيف يمكن تجاوز التحديات التي يواجهها الاقتصاد السوري حالياً؟ وما أول خطوة اقتصادية يجب اتخاذها بعد رفع العقوبات؟ وما القطاعات الاقتصادية التي ينبغي التركيز عليها لتحقيق نمو سريع ؟ وكيف يمكن لسوريا إعادة دمج اقتصادها في النظام العالمي بعد عزلة طويلة؟
خبير أكاديمي: النظام المصرفي السوري أمام فرصة العودة للنظام المالي العالمي.. والطاقة محور التعافي المنتظر
أستاذ العلاقات الدولية في كلية الاقتصاد بجامعة اللاذقية الدكتور ذو الفقار عبود يجيب بأن رفع العقوبات عن سوريا يعني عودة البلاد للتعامل مع المؤسسات التجارية والمصرفية في مختلف دول العالم، مشيراً إلى أن التبادل التجاري مع سوريا سيعود من بوابة التعافي الاقتصادي، وهو ما يوفّر فرصاً كبيرة للبلاد في مجالات التمويل والاستثمار والتكنولوجيا .
أبرز الفرص بعد رفع العقوبات
ويشير عبود في تصريحه لصحيفتنا ” الحرية ” إلى أن أولى ثمار رفع العقوبات ستكون عودة النظام المصرفي السوري إلى الانخراط في النظام المالي العالمي، مما يتيح التعامل مجدداً مع البنوك والمؤسسات المالية الدولية.
كما ستُفتح الأبواب أمام عودة الشركات الأجنبية التي غادرت سوريا بفعل العقوبات، لا سيما في قطاع النفط والبنية التحتية والخدمات.
ويضيف عبود: إن رفع العقوبات سيسمح بإعادة بناء قطاع النفط والغاز المدمّر، كما سيتيح استيراد المعدات التقنية والتكنولوجيا المتقدمة، وخصوصاً في قطاع الاتصالات، الذي كان شبه معزول عن العالم طوال السنوات الماضية، كذلك سيمنح رفع العقوبات القطاعين الجوي والبحري دفعة قوية، عبر تسهيل حركة النقل التجاري والشحن، وهو ما ينعكس إيجاباً على كفاءة التجارة الخارجية، إذ أن النقل البحري يشكل ٨٠٪ من مجمل النقل التجاري في العالم.
التحديات الراهنة
ورغم التفاؤل، فإن الطريق أمام الاقتصاد السوري لا يزال مليئاً بالعقبات، إذ يشير د .عبود إلى أنه تراكمت على سوريا نحو 3000 عقوبة اقتصادية شملت قطاعات حيوية بالقطاع التجاري و النفطي ، بالإضافة إلى تجميد الأصول المالية وفرض قيود مشددة على حركة السفر وأدت إلى عزلها شبه الكامل عن النظام المالي العالمي.
كما قُدرت الخسائر الاقتصادية منذ عام 2011 بأكثر من 530 مليار دولار، بينها إنهيار شبه كامل في قطاع النفط الذي انخفض إنتاجه من 380 ألف برميل يومياً إلى ما بين 20 و30 ألفاً فقط، إلى جانب إنهيار الليرة السورية والتضخم المفرط، إذ تجاوز سعر الصرف حاجز 11 ألف ليرة مقابل الدولار، فيما تجاوز معدل التضخم 130%.
وأضاف أستاذ العلاقات الدولية: تشير التقديرات إلى أن أكثر من 70% من المصانع الصغيرة والمتوسطة توقفت عن الإنتاج، ما عمّق فجوة البطالة والفقر، إذ أغلقت آلاف المصانع والورشات بسبب صعوبة استيراد المواد الأولية والتكنولوجيا.
علماً أن رفع العقوبات لا يعني نهاية الأزمات التي يعيشها الاقتصاد السوري ، بل هو بداية طريق معقد يتطلب إصلاحات تشريعية واستقراراً أمنياً وشفافية اقتصادية، والتحدي الحقيقي يتمثل في إدارة المرحلة الانتقالية بذكاء اقتصادي وسياسي.
إعادة الثقة المالية
الخطوة الاقتصادية الأولى التي يجب أن تتخذها سوريا بعد رفع العقوبات – بحسب رأي الدكتور عبود هي العودة إلى منظومة “سويفت” العالمية للتحويلات المالية، ما يمكّن البنوك السورية من استئناف التعاملات الدولية واستقبال الاستثمارات والتحويلات،و ستفتح الباب أمام الشركات العالمية والعربية لاستئناف نشاطها داخل البلاد.
ويشير الدكتور عبود إلى أن هذه الخطوة تتطلب إرادة سياسية من الأطراف الدولية، ولا سيما الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي.
ويشير أستاذ العلاقات الدولية إلى أنه من الخطوات العاجلة أيضاً إصلاح النظام النقدي، عبر إعادة هيكلة العملة المحلية، وربما حذف صفرين من الليرة السورية لتسهيل التداول، وتوفير السيولة مع عودة المغتربين والاستثمارات.
الأولوية لتحقيق نمو سريع
كما يرى الدكتور عبود أن الطاقة والبنية التحتية يجب أن يكونا في مقدمة القطاعات المستهدفة، إذ إن إعادة تشغيل آبار النفط والغاز ومحطات توليد الكهرباء ستوفّر موارد مالية فورية وتخلق بيئة مناسبة لباقي القطاعات، كما يُعد قطاع الاتصالات والتكنولوجيا من أهم المجالات التي يمكن أن تجذب الاستثمارات الأجنبية بسرعة بعد رفع القيود على استيراد المعدات الحديثة.
وإلى جانب ذلك، يشير عبود إلى أن الزراعة والصناعات الغذائية والسياحة يمكن أن تشكّل ركائز للنمو المحلي وتوفير فرص العمل، خاصة مع وجود اليد العاملة والخبرات المحلية.
إعادة دمج الاقتصاد السوري في النظام العالمي
من أبرز التحديات المقبلة هو إعادة دمج الاقتصاد السوري في النظام العالمي بعد عزلة دامت لسنوات ، ويؤكد عبود أن ذلك يتطلب تحركات سياسية واقتصادية متوازنة، تبدأ بإصلاح القوانين الاستثمارية، وتعزيز الشفافية، وإعادة بناء الثقة مع الشركاء العرب والدوليين.
ويضيف إن إشارات إيجابية بدأت بالظهور منها اتصالات عربية ودولية تهدف لدعم عملية التعافي الاقتصادي، بما في ذلك اهتمام بعض المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي بإرسال فرق فنية لتأهيل الكوادر المصرفية السورية ووضع أساس قانوني جديد للقطاع المالي.
بين الأمل والإصلاح
في المحصلة، يفتح رفع العقوبات الباب أمام فرصة تاريخية لتعافي الاقتصاد السوري، لكنه في الوقت ذاته يضع الحكومة والمؤسسات الاقتصادية أمام مسؤوليات ضخمة لإدارة هذه المرحلة بحكمة، فـرأس المال يحب الاستقرار، كما يقول عبود، وبدون استقرار أمني وإصلاح تشريعي وإدارة فعّالة، لن يكون رفع العقوبات كافياً لانتشال الاقتصاد من أزمته.