الانتعاش الاقتصادي بين الطغيان والاتزان

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

عبدالله الدالي:

مع بداية مرحلة التعافي التي تشهدها سوريا بعد سنوات من النضال ختمت بالتحرير، بدأت بوادر الانتعاش الاقتصادي تلوح في الأفق، بدءاً من رفع العقوبات، وليس انتهاءً بانفتاح محتمل على الشراكات الأجنبية طويلة الأمد.

وبالنظر إلى التوجه الواضح للدولة نحو تفعيل عجلة الاقتصاد، يبدو أن سوريا مقبلة على ازدهار اقتصادي قد يبلغ ذروته في تحقيق الرفاهية الاقتصادية، غير أن هذه المرحلة المفصلية لا تخلو من تحديات، بل تحمل في طياتها خطراً كبيراً قد يهدد النسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمع السوري، إذا ما رافق هذا الازدهار طغيانٌ مادي غير مرشَّد.

الرفاهية الاقتصادية، وإن كانت مطلباً مشروعاً، لكنها قد تتحول إلى نقمة إذا فقدت استراتيجيات التوازن القيمي والتربوي، فحين تصبح المادة غايةً بحد ذاتها، لا وسيلةً للحياة الكريمة، تنشأ حالة من الانفصال عن الهوية، وقد يتفكك المجتمع تدريجياً، لتذوب معالمه وتتآكل منظومته الأخلاقية والإنسانية.

ولنا في بعض المجتمعات الغربية مثال صارخ على هذا الانفلات المادي؛ مجتمعات تفاقمت فيها الأزمات النفسية والاجتماعية، وضربت الفردانية أُسس الأسرة، وتراجعت القيم الروحية أمام موجات الاستهلاك والترف غير المحدود، حتى أصبحت مفاهيم كالهوية الجنسية أو الكرامة الإنسانية خاضعة لرغبات مادية آنية، بلا ضوابط أخلاقية أو فطرية، كل ذلك نتيجة طغيان مادي لم تواكبه منظومة تربوية تضبط الإيقاع وتحمي الروح.

ولعل الحل الأمثل لمواجهة هذا الطغيان مع الازدهار الاقتصادي المتوقع هو العودة إلى تكريس معالم الحضارة الاسلامية الداعية إلى التوازن ما بين المادة والروح، وبذلك يلتقي التقدم الاقتصادي مع القيم الأخلاقية، فالإسلام الذي يدعو إلى السعي في مناكب الأرض واستثمار خيراتها، هو ذاته الذي يحث على الإنفاق، وإيتاء الزكاة، والرحمة بالفقراء، وتهذيب النفس، والإسلام الذي جعل سيدنا عثمان يبذل جل ماله لرفع نائبة حلت بالمسلمين هو الذي حثه على جني تلك الأموال !!

إن مسؤولية مواجهة الطغيان المادي لا تقع على الدولة وحدها، وإن كانت المعنيّ الأول بوضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية، بل هي مهمة مجتمع بأكمله مؤسساته التعليمية، ونخبه الفكرية، ورجاله ونساؤه، وشبابه على وجه الخصوص، فمرحلة الانتعاش الاقتصادي هي فرصة لاختبار وعينا الجماعي، هل سنكون مجتمعاً يسير نحو الرفاهية وهو محافظ على هويته وقيمه نحو مجتمع سوري أصيل، أم سننزلق في دوامة مادية تعصف بجذورنا وهويتنا الأصيلة؟

فلنغتنم هذه المرحلة لا لنغرق في الاستهلاك، بل لنؤسس لمجتمع متوازن، متقدم اقتصادياً، متماسك أخلاقياً، متجذر حضارياً، هذه هي المهمة، وهذه هي الفرصة.

Leave a Comment
آخر الأخبار