الانتماء للوطن.. البوصلة الحقيقية لبناء الدولة الحديثة

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية- وديع فايز الشماس :‏
في خضم ما تمر به منطقتنا من تحولات سياسية واجتماعية، تزداد الحاجة إلى إعادة الاعتبار لقيمة ‏الانتماء الوطني كمرجعية جامعة تتجاوز حدود التشتت والانقسامات الضيقة.‏
فالانتماء للوطن ليس مجرد مشاعر عابرة، بل هو موقف راسخ وسلوك عملي يعكس الوعي بأن الوطن ‏هو الإطار الجامع للهوية، والمكان الذي يحتضن الجميع على اختلافهم.‏
إن ما يُضعف جسد الدولة ويشتت طاقاتها ليس دائماً التحديات الخارجية، بل في كثير من الأحيان ‏الولاءات الجزئية التي تُقدَّم على الولاء للوطن: الولاءات الحزبية، أو الطائفية، أو العشائرية، التي تحصر ‏الانتماء في دائرة ضيقة وتحجب الرؤية عن المصلحة الوطنية العليا.‏
لقد أثبتت التجارب في كثير من البلدان أن الدولة الحديثة لا تُبنى على أساس المحاصصة ولا على توازن ‏الولاءات، بل تُبنى على قاعدة المواطنة المتساوية والانتماء الصادق للأرض والهوية الجامعة.‏
فحين يُقدّم المواطن مصلحة حزبه على مصلحة وطنه، أو يرى في طائفته المرجعية العليا بدلاً من ‏القانون، تتحوّل الدولة إلى ساحة تنافس على النفوذ لا مشروعاً مشتركاً لبناء المستقبل.‏
الانتماء الحقيقي للوطن يعني الإيمان بأن الوطن فوق الجميع، وأن الاختلاف في الرأي أو الانتماء ‏الفكري لا ينبغي له أن يتحوّل إلى خصومة أو قطيعة، بل إلى تنوع إيجابي في إطار وحدة وطنية صلبة.‏
إن بناء دولة قوية متماسكة يتطلب أولاً ترسيخ الانتماء الوطني كثقافة راسخة في النفوس، تغذّيها الأسرة، ‏وتدعمها المدرسة، وتتبناها مؤسسات الدولة، وتكرّسها السياسات الإعلامية والتعليمية.‏
كما يتطلب عدالة شاملة تُشعر كل فرد أنه متساوٍ في الحقوق والفرص، وأن انتماءه للوطن ليس فقط ‏واجباً بل مكسب أيضاً.‏
ولعل من أبرز التحديات التي نواجهها اليوم هي الحاجة إلى إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة ‏على أسس جديدة: الدولة كضامن للحقوق والكرامة، والمواطن كشريك مسؤول في البناء والتطوير.‏
وعندها فقط تصبح الدولة ملكاً للجميع، ويصبح الدفاع عنها وتطويرها، والحفاظ على استقرارها، ‏مسؤولية مشتركة.‏
في الختام، لا يمكن أن تتحقق دولة حديثة من دون أن يكون الانتماء للوطن هو البوصلة الوحيدة التي يهتدي ‏بها المواطن في مواقفه، وتبنيها الدولة في سياساتها.‏
فالوطن الذي نختلف في داخله بوعي وضمن إطار جامع، أقوى بكثير من وطن يتآكله صراع الولاءات ‏الضيقة التي لا تُنتج إلا الضعف والانقسام.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار