الحرية- مركزان الخليل:
متغيرات بالجملة يعيشها الاقتصاد السوري، وتحديات أكبر منها بمنزلة المواجهة الأعظم، لظروف أنتجتها سنوات الحرب الماضية، والحصار الاقتصادي الظالم على سورية، الذي تغلغلت أثاره بكل مكونات المجتمع، الأمر الذي يفرض واقعاً جديداً، يحمل رؤى مستقبلية ترسم استراتيجيات ينبغي العمل عليها، والاستفادة من الواقع وتجارب الآخرين، وحتى ننجح في ذلك لا بدّ من العودة قليلاً إلى الوراء، وإجراء مراجعة شاملة للمراحل التي مر بها الاقتصاد السوري, ودراسة مراحل تطوره وذلك من أجل تكوين رؤية واضحة يمكن الاعتماد عليها خلال الأيام القادمة، وخاصة أننا نمر في ظروف نحتاج فيها لأكثر من أي وقت مضى لإعادة ترتيب البيت الداخلي للاقتصاد السوري، وتطوير الأنظمة والقوانين الاقتصادية، بما يحقق ويتناسب مع إمكانات ومقدرات وتوجهات الدولة الجديدة.
انفتاح مدروس
وحتى لا يكون “الفهم معكوساً” بأننا ندعو إلى حالة من الإغلاق، بل نحن ندعو إلى انفتاح مدروس، يقوم على تأمين المصلحة الوطنية العليا للبلد, ويؤدي بالضرورة إلى زيادة حجم الاستثمارات وتوسيع دائرة الفرص الاقتصادية، وزيادة الإنتاجية التي تحقق قيمة مضافة، يستفيد منها الجميع فعاليات وحكومة ومواطنين.
أحمد: تحديات كبيرة على رأسها العقوبات وضعف البنية الاقتصادية ومحدودية الإمكانات في معظم القطاعات
ثمة أسئلة كثيرة حملتها “الحرية” وضعتها أمام الخبير الاقتصادي “شادي أحمد” للحصول على رأي استراتيجي فيما يحصل من متغيرات على الأسواق والحالة الاقتصادية التي يعيشها اقتصادنا الوطني اليوم، لا سيما ما يتعلق بواقع الانفتاح الاقتصادي في ظل العقوبات والإمكانات المحدودة..؟
تطور مهم
حيث أكد” أحمد” أن الانفتاح الحاصل اليوم على العالم الخارجي يُعتبر تطورًا مهمًا في المشهد الاقتصادي السوري، خاصة بعد سنوات من العزلة، لكن هذا الانفتاح لا يجري في بيئة مثالية، بل يأتي وسط تحديات كبيرة، على رأسها العقوبات الغربية، وضعف البنية الاقتصادية، ومحدودية الإمكانات في معظم القطاعات.
من حيث المبدأ، الانفتاح يوفر فرصًا لتعزيز التجارة، وجذب الاستثمارات، ونقل المعرفة، لكن من الناحية العملية، قدرتنا على الاستفادة منه محدودة حاليًا، بسبب تراكم مشكلات داخلية تعود لسياسات سابقة اتسمت بالانكفاء والتردد في الإصلاح. بعضها بسبب غياب حالي لرؤية استراتيجية للاقتصاد السوري.
والمطلوب اليوم هو الاستعداد لهذا الانفتاح بإصلاح تدريجي وعقلاني، وتحديث البنية المؤسسية لتستوعب الفرص بدل أن تتحول إلى مصدر ضغط جديد.
أحمد: المطلوب اليوم الاستعداد لهذا الانفتاح بإصلاح تدريجي وعقلاني وتحديث البنية المؤسسية لتستوعب الفرص بدل أن تتحول إلى مصدر ضغط جديد
مفتاح أساسي
لكن يبقى السؤال الأهم يكمن في كيفية الاستفادة من هذا الانفتاح لتطوير آلية العمل المصرفي، باعتباره من أهم القطاعات التي تترجم نجاح خطوات الانفتاح، والتي يرى فيها ” الخبير أحمد” أن القطاع المصرفي هو أحد المفاتيح الأساسية لأي انفتاح اقتصادي ناجح اليوم، يعاني هذا القطاع من ترهل إداري، وقيود تنظيمية، وتأخر في استخدام الأدوات الحديثة، سواء التكنولوجية أو التشريعية.
وبالتالي لحقيق الاستفادة من الانفتاح، لا بد من إعادة النظر في طريقة عمل المصارف، حيث نحتاج إلى تحديث القوانين الناظمة، تدريب الكوادر، إدخال أنظمة الدفع الإلكتروني بشكل واسع، والعمل على تحسين ثقة المواطنين بالقطاع المصرفي، كذلك، يمكن الاستفادة من التعاون مع مؤسسات مالية دولية لنقل الخبرة والمعايير الحديثة، خاصة في إدارة المخاطر والحوكمة.
تفاوت كبير
لكن يبقى أن نسأل أنفسنا وسط هذه الصعوبات وضغوطات المراحل السابقة، والواقع المتردي لمؤسساتنا المالية، هل تستطيع المؤسسات المالية السورية مواكبة التوجه نحو اقتصاد السوق الحر وسط ما يحصل من ظروف قاسية تحتاج فيها لمزيد من التعافي قبل الدخول في حالة الانفتاح؟
وهنا يرى “أحمد” أنه حتى الآن، المؤسسات المالية في سورية ما تزال تسير بخطا بطيئة نحو اقتصاد السوق، هناك تفاوت كبير بين ما يتطلبه هذا النموذج من مرونة وشفافية وكفاءة، وبين الواقع الفعلي للمصارف والمؤسسات المالية المحلية.
مع ذلك لا يمكن القول: إن المهمة مستحيلة، إذا تم وضع خطة تدريجية للإصلاح، تبدأ بإعادة هيكلة العمل المصرفي، وتعزيز الاستقلالية، وتحسين البيئة القانونية، فإن هذه المؤسسات قادرة على التأقلم، المهم هو أن لا يكون الانفتاح هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لتطوير البنية الداخلية بشكل واقعي وعملي.
وجه الفائدة
ومن التطورات التي ظهرت خلال الفترة الحالية، وخاصة بعد عملية التحرير انفتاح المؤسسات الدولية نحو الواقع السوري، واستهداف بعض قطاعاته الاقتصادية والخدمية، لا سيما البنك الدولي، وكيفية استفادتنا نحن كسوريين من هذه المؤسسة الدولية الضخمة بكافة أعمالها، حيث أكد “أحمد” وجه الاستفادة الفعالية “إن تحقق الانفتاح” قد يحمل فرصًا حقيقية للمساهمة في إعادة الإعمار والتنمية، والبنك الدولي لا يقدّم تمويلًا فقط، بل يوفّر أيضًا دعمًا فنيًا مهمًا في مجالات مثل التعليم، والصحة، والبنية التحتية، وتمكين المؤسسات.
لكن يجب أن نكون واقعيين، الاستفادة من هذه العلاقة مشروطة بوجود بيئة شفافة، وقادرة على تنفيذ المشاريع، وفق المعايير الدولية، كما أن تجارب بعض الدول مع البنك الدولي لم تكن ناجحة، لأنها لم تكن جاهزة مؤسساتيًا، وسورية تستطيع أن تستفيد، لكن بشرط أن تُحدَّد الأولويات بوضوح، وأن تكون هناك إرادة حقيقية لتطبيق إصلاحات اقتصادية شاملة.
رقابة تقليدية
وبالتالي وسط هذا الانفتاح يثير لدينا الفضول لمعرفة مصير أسواقنا المحلية، ومفعول أجهزة الرقابة على الأسواق مع تعدد مصادر السلع وفتح الحدود، على مصراعيها..؟!
الخبير” أحمد” يقول أمام كل ذلك إن الانفتاح التجاري وفتح الحدود مع دول الجوار أدّى إلى تنوع في مصادر السلع، وهذه حقيقة تشهد عليها الأسواق قبل مستهلكيها، لكنه في المقابل أوجد حالة من الفوضى في الأسواق، سواء من حيث الأسعار أو جودة المنتجات، الرقابة الحالية ما تزال تعتمد أساليب تقليدية، ولا تواكب حجم وتعقيد الحركة التجارية الجديدة.
وبالتالي من الضروري جداً تطوير أدوات الرقابة، ليس فقط من خلال زيادة عدد المفتشين، بل عبر استخدام تقنيات حديثة في التتبع وتحليل البيانات، وتفعيل دور المستهلك في الإبلاغ والمراقبة، كما يجب توحيد الجهود بين الجهات الرقابية المختلفة، وربطها بمنصة إلكترونية فعالة، لضمان استجابة أسرع وأدق لتقلبات السوق.