البيوت الحجرية القديمة في درعا.. شاهدٌ حي على فنون الهندسة المعمارية وبراعة بنّائيها

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – عمار الصبح:

لاتزال البيوت الحجرية القديمة في محافظة درعا علامة فارقة تكاد لا تخلو منها أي قرية أو مدينة، ورغم مرور عقود من الزمن على بنائها لا تزال الكثير من هذه البيوت قائمة ومسكونة حتى اليوم، وظلت شاهداً حياً على فنون الهندسة المعمارية القديمة وعلى براعة بنائيها.

هندسة حجر البازلت

لعل أكثر ما يعطي للبيوت القديمة المبنية من البازلت ميزة، هو طرازها المعماري الذي يعد امتداداً للهندسة المعمارية القديمة والتي ورغم تعاقب الكثير من الحضارات عليها لاتزال تحافظ على سماتها الأساسية حتى وقتنا الحاضر.

يمتاز البيت الحوراني التقليدي حسب ما يوضح الباحث في شؤون التراث محمد الشحمة، بميزة خاصة فهو مبني من الحجر البازلتي المشذب، فالجدران أغلبها تم بناؤه من طبقتين من الحجارة وبسماكة كبيرة تصل إلى ٧٠ سم، ما يجعلها عازلاً طبيعياً للظروف الجوية من حرارة وبرودة.

أما السقف فيقول الشحمة: “يشكل ارتفاعه سمة أساسية في البيوت القديمة وقد تم استخدام الأقواس والقناطر في عملية البناء، حيث يتوسطه قناطر حجرية مرصوفة بإحكام، وهي عبارة عن قوس من الحجارة المتلاصقة يستند طرفاها من الأسفل إلى قاعدتين حجريتين متينتين”.

ويضيف إن فنيي بناء الحجر أبدعوا في بناء القناطر الحجرية وبمنهجية علمية هندسية تعمل على توزيع الأثقال، فكل غرفة من غرف البيت الحجري تضم قنطرة أو أكثر وذلك حسب المساحة، فالمضافة مثلاً تحتوي على أكثر من قنطرة واحدة.

ويتابع الباحث بالقول: بعد الانتهاء من تصميم القنطرة توضع قطع حجرية تسمى (الربدان) فوقها وهي بأطوال تتراوح بين المترين والثلاثة أمتار، وهي أي (الربدان) تعمل على تشكيل الضغط على القوس الحجري لتبقيه متراصاً، ثم تمد الجسور الحديدة أو الخشبية فوقها بشكل متقاطع، وصولاً لمرحلة مد السقف بالتراب الممزوج بمادة التبن، حيث يتم رصه من الخارج، أما الجدران من الداخل فيتم طلاؤها (التلييس) بمادة التراب الممزوج بالتبن ثم تصقل بمادة الكلس بعد جفافها وكذلك يتم العمل على السقف من الداخل.

هوية مميزة

برع البناؤون في تطويع الحجر الأسود البازلتي، وهو صخر ناري ينتشر في أرجاء حوران يتميز بالقساوة ومقاومته للعوامل الطبيعية، إذ لم يقتصر استخدامه على بناء البيوت فقط، فقد استخدم في بناء الكثير من المرافق، كمحطات الحديد الحجازية والمباني الحكومية والمساجد والكنائس والقلاع، ليكون شاهداً على براعتهم في الفن المعماري.

برع أبناء المنطقة ومنذ القدم في تطويع الحجر الأسود البازلتي في أعمال البناء

ويعد الحجر البازلتي بمنزلة الهوية التي تميز الطراز المعماري لمنطقة حوران، حسبما يؤكد أمين متحف درعا الوطني وائل كيوان، مشيراً إلى أن جميع البلدات القديمة بنيت من هذا الحجر، حيث لا زالت هذه البيوت قائمة في الكثير من أرجاء المحافظة، حتى إن متحف درعا الوطني تم إكساؤه من الخارج بهذه الحجارة لكونها رمزاً للمنطقة كما أسلفنا.

ويبيّن كيوان أن هناك بيوتاً مسجلة لدى دائرة الآثار كمواقع أثرية لها جماليتها الخاصة، مثل بيت يحيى المذيب الواقع إلى الجنوب من الجامع القديم في مدينة نوى، وبيت محسن الرواشدة في مدينة طفس، وغيرها الكثير، حيث إنها مبنية من الحجر البازلتي وتتميز بالفخامة والروعة من خلال الزخارف وطريقة العمارة الموجودة فيها.

ويشير إلى أن هناك كثيرين لازالوا يبنون جدران بيوتهم بالحجر البازلتي بالكامل أو يستخدمونه في تلبيسها من الخارج، وهي إضافة لجماليتها تعد مناسبة للعزل إن لجهة الرطوبة أو لجهة الحرارة.

Leave a Comment
آخر الأخبار