الحرية – إلهام عثمان:
لم يكن “يوم التحرير”، الذي طال انتظاره من قبل السوريين، مجرد مناسبة للاحتفال الرسمي بانتهاء حقبة مظلمة وسقوط الطاغية، بل كان يوماً يحمل في طياته تناقضات المشاعر التي طبعت حياة السوريين على مدى سنوات الصراع.
فبينما علت أصوات الفرح في الساحات العامة، كانت هناك أصوات أخرى، خافتة، تردد صدى الذكريات المؤلمة لمن فقدوا أحباءهم، ولم يبقَ لهم سوى صورهم كشاهد على ثمن الحرية الباهظ.
لكل سوري قصته
وهنا بين المدرب الدولي في التنمية البشرية فادي حمد لـ”الحرية”، أن هذا اليوم الذي يمثل نقطة تحول تاريخية، يكشف عمق الجرح السوري الذي لم يندمل بعد، فلكل سوري قصته الخاصة مع هذا اليوم؛ قصة بطل عائد، أو قصة أم تنتظر عودة ابنها، أو قصة عائلة تشتت شملها بين المنفى والوطن.
إضافة إلى أن التحدي الاقتصادي والاجتماعي كان له ثمن باهظ للحرية، وبالتالي فرحة التحرير لا يمكن أن تحجب الواقع الاقتصادي والاجتماعي القاسي الذي ورثته سوريا بعد سنوات الحرب.

رصد التحديات
وهنا أوضح حمد أن الأرقام الرسمية وغير الرسمية ترسم صورة قاتمة للتحديات التي تواجه الدولة الجديدة، مشيراً إلى أن تقديرات الاقتصاد السوري تشير، ووفقاً لبعض الدراسات، إلى تكبّد الوطن خسائر تقدر بنحو 800 مليار دولار خلال فترة الحرب، وهو ما يعكس حجم الدمار الهائل في البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية.
وعلى المستوى المعيشي، يعيش نحو 90% من السكان تحت خط الفقر، وتضاعف الفقر المدقع ليصل إلى 66%، في حين تبلغ معدلات البطالة حوالي 25%.
كما شهدت البلاد تدهوراً حاداً في قطاع الطاقة، حيث هوى إنتاج النفط من نحو 400 ألف برميل يومياً قبل عام 2011 إلى حوالي 15 ألف برميل يومياً.
كما نوه حمد بأن خسائر الأفراد والعائلات للممتلكات الخاصة، أدى للمزيد من الفقر والعوز، والعودة إلى البدائية في تأمين الحاجات الأساسية، كما ساهم الفقر في تشتت النسيج الاجتماعي بشكل كبير.
تصدع عميق
من جهته يرى عمر الحسن خبير علم اجتماع، أن التحدي لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يمتد ليشمل النسيج الاجتماعي الذي تعرض لتصدع عميق، وأن “يوم التحرير هو بداية لمرحلة جديدة من الصراع، لكنه صراع من نوع آخر، صراع لإعادة بناء الإنسان والمجتمع”، وأن سنوات الحرب أدت إلى تفكك بنية الأسرة السورية وتشتت أفرادها بين المحافظات ما أدى إلى اللجوء والنزوح، وهو ما أضعف الروابط الاجتماعية والعائلية.
أثرياء الحرب
كما أن صعود طبقة “أثرياء الحرب” على حساب الطبقة الوسطى التي انهارت، أوجد فجوة طبقية جديدة تهدد السلم الأهلي، والتحدي الأكبر ليس في إعادة بناء الحجر، بل في ترميم الروح السورية وإعادة إنتاج الثقة المفقودة بين مكونات المجتمع وفق رأي حمد.
و يضيف الحسن: إن الهجرة الكبيرة للعقول المتعلمة والشباب أحدثت تغيراً ديمغرافياً كبيراً، ما يضع عبئاً إضافياً على عملية التعافي.
التطلع إلى المستقبل
في الختام ووفق رأي الحسن يبقى “يوم التحرير” في سوريا يوماً معقداً، لا يمكن اختزاله في مشاعر الفرح أو الحزن فقط، إنه يوم يتطلب من السوريين جميعاً، ومن الدولة الجديدة، الاعتراف بمرارة الماضي والعمل بجدية على بناء مستقبل يضمن العدالة الاجتماعية والاقتصادية.. طريق التعافي طويل وشاق، لكنه يبدأ بالاعتراف بأن الحرية الحقيقية لا تكتمل إلا بكرامة المواطن وازدهار وطنه.